مسألة و فصول : حكم الذمي يتزوج ذمية إذا تحاكما إلينا وحكم مهرها وأحكام نكاحهم .
مسألة : قال : وما سمي لها وهما كافران فقبضته ثم أسلما فليس لها غيره وإن كان حراما ولو لم تقبضه وهو حرام فلها عليه مهر مثلها أو نصفه حيث أوجب ذلك .
جملته أن الكفار إذا أسلموا وتحاكموا إلينا بعد العقد والقبض لم نتعرض إلى ما فعلوه وما قبضت من المهر فقد نفذ وليس لها غيره حلالا كان أو حراما بدليل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } فأمر بترك ما بقي دون ما قبض وقال تعالى : { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله } ولأن التعرض للمقبوض بإبطاله بشق لتطاول الزمان وكثرة تصرفاتهم في الحرام ففيه تنفيرهم عن الإسلام فعقي عنه كما عفي عما تركوه من الفرائض والواجبات ولأنهما تقابضا بحكم الشرك فبرئت ذمة من هو عليه منه كما لو تبايعا فاسدا وتقابضا وإن لم يتقابضا فإن كان المسمى حلالا وجب ما سمياه لأنه مسمى صحيح في نكاح صحيح فوجب كتسمية المسلم وإن كان حراما كالخمر والخنزير بطل ولم يحكم به لأن ما سمياه لا يجوز إيجابه في الحكم ولا يجوز أن يكون صداقا لمسلمة ولا في نكاح مسلم ويجب مهر المثل إن كان بعد الدخول ونصفه إن وقعت الفرقة قبل الدخول وهذا معنى قوله حيث أوجب ذلك وبهذا قال الشافعي و أبو يوسف .
وقال أبو حنيفة إن كان صداقها خمرا أو خنزيرا معينين فليس لها إلا ذلك وإ كانا غير معينين فلها في الخمر القيمة وفي الخنزير مهر المثل استحسانا .
ولنا أن الخمر لا قيمة لها في الإسلام فكان الواجب مهر المثل كما لو أصدقها خنزيرا ولأنه محرم فأشبه ما ذكرنا .
فصل : وإن قبضت بعض الحرام دون بعض سقط من المهر بقدر ما قبض ووجب بحصة ما بقي من مهر المثل فإن كان الصداق عشرة زقاق خمر متساوية فقبلت خمسا منها سقط نصف المهر ووجب لها نصف مهر المثل وإن كانت مختلفة اعتبر ذلك بالكيل في أحد الوجهين لأنه إذا وجب اعتباره اعتبر بالكيل فيماله مثل يتأنى الكيل فيه .
والثاني : يقسم على عددها لأنه لا قيمة لها فاستوى صغيرها وكبيرها وإن أصدقها عشرة خنازير ففيه الوجهان أحدهما : يقسم على عددها لما ذكرنا والثاني : يعتبر قيمتها كأنها مما يجوز بيعه كما تقوم شجاج الحر كأنه عبد وإن أصدقها كلبا وخنزيرا وثلاثة زقاق خمر ففيه ثلاثة أوجه أحدها : يقسم على قدر قيمتها عندهم والثاني : يقسم على عدد الأجناس فيجعل لكل جنس ثلث المهر والثالث : يقسم على العدد كله فالكل واحد سدس المهر فللكلب سدسه ولكل واحد من الخنزيرين والزقاق سدسه ومذهب الشافعي فيه على نحو من هذا .
فصل : فإن نكحها نكاحا فاسدا وهو ما لا يقرون عليه إذا أسلموا كنكاح ذوات الرحم المحرم فاسلما قبل الدخول أو ترافعوا إلينا فرق بينهما ولا مهر لها قال أحمد في المجوسية تكون تحت أخيها أو أبيها فيطلقها أو يموت عنها فترفع إلى المسلمين بطلب مهرها لا مهر لها وذلك لأنه نكاح باطل من أصله لا يقر عليه في الإسلام وحصل فيه الفرقة قبل الدخول فأما إن دخل بها فهل يجب لها مهر المثل ؟ يخرج على الراويتين في المسلم إذا وطىء امرأة من محارمه بشبهة .
فصل : إذا تزوج ذمي ذمية على أن لا صداق لها أو سكت عن ذكره فلها المطالبة بفرضه إن كان قبل الدخول وإن كان بعده فلها مهر المثل كما في نكاح المسلمين وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة أن تزوجها على أن لا مهر لها فلا شيء لها وإن سكت عن ذكره ففيه روايتان إحداهما : لا مهر لها والأخرى لها مهر المثل واحتج بأن المهر يجل لحق الله وحقها وقد أسقطت حقها والذمي لا يطالب بحق الله تعالى ولنا أن هذا نكاح خلا عن تسمية فيجب للمرأة مهر المثل كالمسلمة وإنما وجب المهر في حق المفوضة لئلا تصير كالموهوبة والمباحة وهذا يوجد في حق الذمي .
فصل : إذا ارتفعوا إلى الحاكم في ابتداء العقد لم يزوجهم إلا بشروط نكاح المسلمين لقول الله D : { وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط } وقوله : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } ولأنه لا حاجة إلى عقده بخلاف ذلك وإن أسلموا وترافعوا إلينابعد العقد لم نتعرض لكيفية عقدهم ونظرنا في الحال فإن كانت المرأة ممن يجوز عقد النكاح عليها ابتداء أقرهما وإن كانت ممن لا يجوز ابتداء نكاحها كذوت محرمة فرق بينهما فإن تزوج معتدة وأسلما أو ترافعا في عدتها فرق بينهما لأنه لا يجوز ابتداء نكاحها وإن كان بعد انقضائها أقرا لجواز ابتداء نكاحها وإن كان بينهما نكاح متعة لم يقرا عليه لأنه إن كان بعد المدة فلم يبق بينهما نكاح فإن كان في المدة فهما لا يعتقدان تأبيده والنكاح عقد مؤبد إلا أن يكونا ممن يعتقدان فساد الشرط وصحة النكاح مؤبدا فيقران عليه وإن كان بينهما نكاح شرط فيه الخيار متى شاء أو شاء أحدهما لم يقرا عليه لأنهما لا يعتقدان لزومه إلا أن يعتقدا فساد الشرط وحده وإن كان خيار مدة فأسلما فيها لم يقرا لذلك وإن كان بعدها أقرا لأنهما يعتقدان لزومه وكل ما اعتقدوه فهو نكاح يقرون عليه وما لا فلا فلو مهر حربي حربية فوطئها أو طاوعته ثم أسلما فإن كان ذلك في اعتقادهم نكاحا أقرا عليه لأنه نكاح لهم فيمن يجوز ابتداء نكاحها فأقرا عليه كالنكاح بلا ولي وإن لم يعتقدوا نكاحا لم يقرا عليه .
فصل : وأنكحة الكفار تتعلق بها أحكام الصحيح من وقوع الطلاق والظهار والإيلاء ووجوب المهر والقسم والإباحة للزوج الأول والإحصان وغير ذلك وممن أجاز طلاق الكفار عطاء و الشعبي و النخعي و الزهري و حماد و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أصحاب الرأي ولم يجوزه الحسن و قتادة و ربيعة و مالك .
ولنا أنه طلاق من بالغ عاقل في نكاح صحيح فوقع كطلاق المسلم فإن قيل لا نسلم صحة أنكحتهم قلنا دليل ذلك أن الله تعالى أضاف النساء إليهم فقال : { وامرأته حمالة الحطب } وقال : { امرأة فرعون } وحقيقة الإضافة تقتضي زوجية صحيحة و [ قال النبي A : ولدت من نكاح لا من سفاح ] وإذا ثبت صحتها ثبتت أحكامها كأنكحة المسلمين فعلى هذا إذا طلق الكافر ثلاثا ثم تزوجها قبل زوج وأصابها ثم أسلما لم يقرا عليه وإن طلق امرأته أقل من ثلاث ثم أسلما فهي عنده على ما بقي من طلاقها وإن نكحها كتابي وأصابها حلت لمطلقها ثلاثا سواء كان المطلق مسلما أو كافرا وإن ظاهر الذمي من امرأته ثم أسلما فعليه كفارة الظهار لقوله تعالى : { والذين يظاهرون من نسائهم } وإن آلى ثبت حكم الإيلاء لقوله تعالى : { للذين يؤلون من نسائهم } .
فصل : ويحرم عليهم في النكاح ما يحرم على المسلمين على ما ذكرنا في ا لباب قبله إلا أنهم يقرون على الأنكحة المحرمة بشرطين أحدهما : أن لا يترافعوا إلينا والثاني : أن يعتقدوا إباحة ذلك في دينهم لأن الله تعالى قال : { فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا } فدل هذا على أنهم يخلون وأحكامهم إذا لم يجيئوا إلينا ولأن النبي A أخذ الجزية من مجوس هجر ولم يعترض عليهم في أحكامهم ولا في أنكحتهم مع علمه أنهم يستبيحون نكاح محارمهم وقد روي عن أحمد في المجوسي تزوج نصرانية قال : يحال بينه وبينها قيل من يحول بينهما ؟ قال الإمام قال : أبو بكر لأن علينا ضررا في ذلك يعني بتحريم أولاد النصرانية علينا وهكذا يجيء على قوله في تزويج النصراني المجوسية ويجيء على هذا القول أن يحال بينهم وبين نكاح محارمهم فإن عمر Bه كتب : إن فرقوا بين كل محرم من المجوس وقال أحمد في مجوسي ملك أمة نصرانية يحال بينه وبينها ويجبر على بيعها لأن النصارى لهم دين فإن ملك نصراني مجوسية فلا بأس أن يطأها وقال أبو بكر عبد العزيز لا يجوز له وطؤها أيضا لما ذكرناه من الضرر