مسألة و فصول : حكم ما إذا أسلم الوثني وقد تزوج بأربع وثنيات لم يدخل بهن .
مسألة : قال أبو القاسم C تعالى : وإذا أسلم الوثني وقد تزوج بأربع وثنيات ولم يدخل بهن بن منه وكان لكل واحدة نصف ما سمى لها إن كام حلالا أو نصف صداق مثلها إن كان ما سمى لها حراما ولو أسلم النساء قبله وقبل الدخول بن منه أيضا ولا شيء عليه لواحدة منهن فإن كان إسلامه وإسلامهن قبل الدخول معا فهن زوجات فإن كان دخل بهن ثم أسلم فمن لم تسلم منهن قبل انقضاء عدتها حرمت عليه منذ اختلف الدينان .
في هذه المسألة فصول خمسة : .
الفصل الأول : أنه إذا أسلم أحد الزوجين الوثنيين أو المجوسيين أو كتابي يتزوج بوثنية أو مجوسية قبل الدخول تعجلت الفرقة بينهما من حين إسلامه ويكون ذلك فسخا لا طلاقا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تتعجل الفرقة بل إن كانا في دار الإسلام عرض الإسلام على الآخر فإن أبى وقعت الفرقة حينئذ وإن كان في دار الحرب وقف ذلك على انقضاء عدتها فإن لم يسلم الآخر وقعت الفرقة فإن كان الاباء من الزوج كان طلاقا لأن الفرقة حصلت من قبله فكان طلاقا كما لو لفظ به وإن كان من المرأة كان فسخا لأن المرأة لا تملك الطلاق وقال مالك إن كانت هي المسلمة عرض الإسلام فإن أسلم وإلا وقعت الفرقة وإن كان هو المسلم تعجلت الفرقة لقوله سبحانه : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } .
ولنا أنه اختلاف دين يمنع الإقرار على النكاح فإذا وجد قبل الدخول تعجلت الفرقة كالردة على ملك كإسلام الزوج أو كما لو أبى الآخر الإسلام ولأنه إن كان هو المسلم فليس له إمساك كافرة لقوله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } وإن كانت هي المسلمة فلا يجوز إبقاؤها على نكاح مشرك .
ولنا على أنها فرقة فسخ بإختلاف الدين فكان فسخا كما لو أسلم الزوج وأبت المرأة ولأنها فرقة بغير لفظ فكانت فسخا كفرقة الرضاع .
الفصل الثاني : أن الفرقة إذا حصلت قبل الدخول بإسلام الزوج فللمرأة نصف المسمى أن كانت التسمية صحيحة أو نصف مهر مثلها إن كانت فاسدة مثل أن يصدقها خمرا أو خنزيرا لأن الفرقة حصلت بفعله وإن كانت بإسلام المرأة فلا شيء لها لأن الفرقة من جهتها وبهذا قال الحسن و مالك و الزهري و الأوزاعي و ابن شبرمة و الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن لها نصف المهر إذا كانت هي المسلمة واختارها أبو بكر وبه قال قتادة و الثوري ويقتضيه قول أبي حنيفة لأن الفرقة حصلت من قبله بإبائه الإسلام وإمتناعه منه وهي فعلت ما فرض الله عليها فكان لها نصف ما فرض الله كما لو علق طلاقها على الصلاة فصلت .
ونقل عن أحمد في مجوسي أسلم قبل أن يدخل بإمرأته لا شيء لها من الصداق ووجها ما ذكرناه ووجه الأول أن الفرقة حصلت بإختلاف الدين واختلاف الدين حصل بإسلامها فكانت الفرقة حاصلة بفعلها فلم يجب لها شيء كما لو ارتدت ويفارق تعليق الطلاق فإنه من جهة الزوج ولهذا لو علقه على دخول الدار فدخلت وقعت الفرقة ولها نصف المهر .
الفصل الثالث : أن الزوجين إذا أسلما معا فهما على النكاح سواء كان قبل الدخول أو بعده وليس بين أهل العلم في هذا اختلاف بحمد الله ذكر ابن عبد البر أنه إجماع من أهل العلم وذلك لأنه لم يوجد منهم اختلاف دين وقد روى أبو داود عن ابن عباس [ أن رجلا جاء مسلما على عهد رسول الله A ثم جاءت امرأته مسلمة بعده فقال يا رسول الله إنها كانت أسلمت معي فردها عليه ] ويعتبر تلفظهما بالإسلام دفعة واحدة لئلا يسبق أحدهما صاحبه فيفسد النكاح ويحتمل أن يقف على المجلس كالقبض ونحوه فإن حكم المجلس كله حكم حالة العقد ولأنه يبعد اتفاقهما على النطق بكلمة الإسلام دفعة واحدة فلو اعتبر ذلك لوقعت الفرقة بين كل مسلمين قيل الدخول إلا في الشاذ النادر فيبطل الإجماع .
الفصل الرابع : إنه إذا كان إسلام أحدهما بعد الدخول ففيه عن أحمد روايتان إحداهما : يقف على انقضاء العدة فإن أسلم الآخر قبل انقضائها فهما على النكاح وإن لم يسلم حتى انقضت العدة وقعت الفرقة منذ اختلف الدينان فلا يحتاج إلى استئناف العدة وهذا قول الزهري و الليث و الحسن بن صالح و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق ونحوه عن مجاهد وعبد الله بن عمر و محمد بن الحسن والرواية الثانية تتعجل الفرقة وهو اختيار الخلال وصاحبه وقول الحسن و طاوس و عكرمة و قتادة و الحكم وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ونصره ابن المنذر وقول أبي حنيفة ههنا كقوله فيما قبل الدخول إلا أن المرأة إذا كانت في دار الحرب فانقضت عدتها وحصلت الفرقة لزمها استئناف العدة وقال مالك إن أسلم الرجل قبل امرأته عرض عليها الإسلام فإن أسلمت وإلا وقعت الفرقة وإن كانت غائبة تعجلت الفرقة وإن أسلمت المرأة قبله وقفت على انقضاء العدة واحتج من قال بتعجيل الفرقة بقوله سبحانه : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ولأن ما يوجب فسخ النكاح لا يختلف بما قبل الدخول وبعده كالرضاع .
ولنا ما روى مالك في موطئه إن ابن شهاب قال [ كان بين إسلام صفوان بن أمية وامرأته بنت الوليد بن المغيرة نحو من شهر أسلمت يوم الفتح وبقي صفوان حتى شهد حنينا والطائف وهو كافر ثم أسلم فلم يفرق النبي A بينهما واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح ] قال ابن عبد البر وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده وقال ابن شهاب [ أسلمت أم حكيم يوم الفتح وهرب زوجها عكرمة حتى أتى اليمن فارتحلت حتى قدمت على اليمن فدعته إلى الإسلام فأسلم وقدم فبايع النبي A فثبتا على نكاحهما ] وقال ابن شبرمة كان الناس على عهد رسول الله A يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي امرأته وإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما ولأن أبا سفيان خرج فأسلم عام الفتح قبل دخول النبي A مكة ولم تسلم هند امرأته حتى فتح النبي A مكة فثبتا على النكاح وأسلم حكيم بن حزام قبل امرأته وخرج أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أمية فلقيا النبي A عام الفتح بالأبواء فأسلما قبل نسائهما ولم يعلم أن النبي A فرق بين أحد ممن أسلم وبين امرأته ويبعد أن يتفق إسلامهما دفعة واحدة ويفارق ما قبل الدخول فإنه لا عدة لها فتتعجل البينونة كالمطلقة واحدة وههنا لها عدة فإذا انقضت تبينا وقوع الفرقة من حين أسلم الأول فلا يحتاج إلى عدة ثانية لأن اختلاف الدين سبب الفرقة فتحتسب الفرقة منه كالطلاق .
الفصل الخامس : أنه إذا أسلم أحد الزوجين وتخلف الآخر حتى انقضت عدة المرأة انفسخ النكاح في قول عامة الفقهاء قال ابن عبد البر لم يختلف العلماء في هذا إلا شيء روي عن النخعي شذ فيه عن جماعة فلم يتبعه عليه أحد زعم أنها ترد إلى زوجها وإن طالت المدة لما روى ابن عباس [ أن رسول الله A رد زينب على زوجها أبي العاص بنكاحها الأول ] رواه أبو داود واحتج به أحمد قيل له أليس يروى أنه ردها بنكاح مستأنف ؟ قال ليس له أصل وقيل كان بين إسلامها وردها إليه ثمان سنين .
ولنا قول الله تعالى : { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وقوله سبحانه : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } والإجماع المنعقد على تحريم تزوج المسلمات على الكفار فأما قصة أبي العاص مع امرأته فقال ابن عبد البر لا يخلو من أن تكون قبل نزول تحريم المسلمات على الكفار فتكون منسوخة بما جاء بعدها أو تكون حاملا استمر حكمها حتى أسلم زوجها أو مريضة لم تحض ثلاث حيضات حتى أسلم أو تكون ردت إليه بنكاح جديد فقد روى ابن أبي شيبة عن سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [ أن النبي A ردها على أبي العاص بنكاح جديد ] ورواه الترمذي وقال سمعت عبد بن حميد يقول : سمعت يزيد بن هارون يقول حديث ابن عباس أجود إسنادا والعمل على حديث عمرو بن شعيب