مسألة و فصل : حرائر نساء أهل الكتاب وذبائحهم حلال للمسلمين ومن هم أهل الكتاب .
مسألة : قال : وحرائر نساء أهل الكتاب وذبائحهم حلائل للمسلمين .
ليس بين أهل العلم بحمد الله اختلاف في حل حرائر نساء أهل الكتاب وممن روي عنه ذلك عمر وعثمان وطلحة وحذيفة وسلمان وجابر وغيرهم قال ابن المنذر ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك وروى الخلال بإسناده أن حذيفة وطلحة والجارود بن المعلى واذينه العبدي تزوجوا نساء من أهل الكتاب وبه قال سائر أهل العلم وحرمته الأمامية تمسكا بقوله تعالى : { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } .
ولنا قول الله تعالى : { اليوم أحل لكم الطيبات } إلى قوله : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن } وإجماع الصحابة فأما قوله سبحانه : { ولا تنكحوا المشركات } فروي عن ابن عباس أنها نسخت بالآية التي في سورة المائدة وكذلك ينبغي أن يكون ذلك في الاية الأخرى لأنهما متقدمتان والآية التي في آخر المائدة متأخرة عنهما وقال آخرون ليس هذا نسخا فإن لفظ المشركين بإطلاقه لا يتناول أهل الكتاب بدليل قوله سبحانه : { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين } وقال : { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين } وقال : { لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا } وقال : { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب و لا المشركين } وسائر آي القرآن يفصل بينهما فدل على أن لفظة المشكرين بإطلاقها غير متناولة لأهل الكتاب وهذا معنى قول سعيد بن جبير و قتادة ولأن ما احتجوا به عام في كل كافرة وآتينا خاصة في حل أهل الكتاب والخاص يجب تقديمه إذا ثبت هذا فالأولى أن لا يتزوج كتابية لأن عمر قال للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب طلقوهن فطلقونه إلا حذيفة فقال له عمر طلقها قال تشهد أنها حرام قال هي حرة طلقها قال تشهد أنها حرام قال هي حرة قال قد علمت أنها حرة ولكنها لي حلال فلما كان بعد طلقها فقيل له ألا طلقتها حين أمرك عمر ؟ قال كرهت أن يرى الناس أني ركبت أمرا لا ينبغي لي ولأنه ربما مال إليها قلبه ففتنته وربما كان بينهما ولد فيميل إليها .
فصل : وأهل الكتاب الذين هذا حكمهم هم أهل التوارة والإنجيل قال الله تعالى : { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } فأهل التوارة اليهود والسامرة وأهل الإنجيل النصارى ومن وافقهم في أصل دينهم من الإفرنج والأرمن وغيرهم وأما الصابئون فاختلف فيهم السلف كثيرا فروي عن أحمد أنهم جنس من النصارى ونص عليه الشافعي وعلق القول فيهم في موضع آخر وعن أحمد أنه قال بلغني أنهم يسبتون فهؤلاء إذا يشبهون اليهود والصحيح فيهم أنهم أن كانوا يوافقون النصارى أو اليهود في أصل دينهم ويخالفونهم في فروعه فهم ممن وافقوه وإن خالفوهم في أصل الدين فليس هم منه والله أعلم وأما من سوى هؤلاء من الكفار مثل المتمسك بصحف إبراهيم وشيث وزبور داود فليسوا بأهل كتاب ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم وهذا قول الشافعي وذكر القاضي فيهم وجها آخر أنهم من أهل الكتاب وتحل ذبائحهم ونكاح نسائهم ويقرون بالجزية لأنهم تمسكوا بكتاب من كتب الله فأشبهوا اليهود والنصارى