مسألة وفصلان حكم وطء الحرام وأنواع الوطء .
مسألة : قال : ووطء الحرام محرم كما يحرم وطء الحلال والشبهة .
يعني انه يثبت به تحريم المصاهرة فإذا زنى بإمرأة حرمت على أبيه وابنه وحرمت عليه أمها وابنتها كما لو وطئها بشبهة أو حلالا ولو وطىء أم امرأته أو بنتها حرمت عليه امرأته نص أحمد على هذا في رواية جماعة وروي نحو ذلك عن عمران بن حصين وبه قال الحسن و عطاء و طاوس و مجاهد و الشعبي و النخعي و الثوري و إسحاق وأصحاب الرأي .
وروى عن ابن عباس أن وطء الحرام لا يحرم وبه قال سعيد بن المسيب و يحيى بن يعمر و عورة و الزهري و مالك و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر لما روي [ عن النبي A أنه قال : لا يحرم الحرام الحلال ] ولأنه وطء لا تصير به الموطوءة فراشا فلا يحرم كوطء الصغيرة .
ولنا قوله تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } والوطء يسمى نكاحا قال الشاعر : ( إذا زنيت فأجد نكاحا ( فحمل في عموم الآية وفي الآية قرينة تصرفه إلى الوطء وهو قوله سبحانه وتعالى : { إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا } وهذا التغليط إنما يكون في الوطء وروي [ عن النبي A أنه قال : لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها ] وروى ا الجوزجاني بإسناده عن وهب بن منبه قال : ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها فذكرته لـ سعيد بن المسيب فأعجبه ولأن ما تعلق من التحريم بالوطء المباح تعلق بالمحظور كوطء الحائض ولأن النكاح عقد يفسده الوطء بالشبهة فأفسده الوطء الحرام كالإحرام وحديثهم لا نعرف صحته وإنما هو من كلام ابن أشوع بعض قضاة العراق كذلك قال الإمام أحمد وقيل أنه من قول ابن عباس ووطء الصغيرة ممنوع ثم يبطل بوطء الشبهة .
فصل : والوطء على ثلاثة أضرب : مباح وهو الوطء في نكاح صحيح أو ملك يمين فيتعلق به تحريم المصاهرة بالإجماع ويعتبر محرما لمن حرمت عليه لأنها حرمت عليه على التأبيد بسبب مباح أشبه النسب الثاني : الوطء بالشبهة وهو الوطء في نكاح فاسد أو شراء فاسد أو وطء امرأة ظنها امرأته أو أمته أو وطء الأمة المشتركة بينه وبين غيره وأشباه هذا يتعلق به التحريم كتعلقه بالوطء المباح إجماعا قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار على أن الرجل إذا وطىء امرأة بنكاح فاسد أو بشراء فاسد أنها تحرم على أبيه وابنه وأجداده وولد ولده وهذا مذهب مالك و الأوزاعي و الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبي ثور وأصحاب الرأي و لأنه وطء يلحق به النسب فأثبت التحريم كالوطء المباح ولا يصير الرجل محرما لمن حرمت عليه ولا يباح له به النظر إليها لأن الوطء ليس بمباح ولأن المحرمية تتعلق بكمال حرمة الوطء لأنها إباحة ولأن الموطوءة لم يستبح النظر إليها فلأن لا يستبيح النظر إلى غيرها أولى .
الثالث : الحرام المحض وهو الزنا فيثبت به التحريم على الخلاف المذكور ولا تثبت به المحرمية ولا إباحة النظر لأنه إذا لم يثبت بوطء الشبهة فالحرام المحض أولى ولا يثبت به نسب ولا يحب به المهر إذا طاوعته فيه .
فصل : ولا فرق فيما ذكرنا بين الزنا في القبل والدبر لأنه يتعلق به التحريم فيما إذا وجد في الزوجة والأمة فكذلك في الزنا فإن تلوط بغلام فقال بعض أصحابنا يتعلق به التحريم أيضا فيحرم على اللائط أم الغلام وابنته وعلى الغلام أم اللائط وابنته قال ونص عليه أحمد وهو قول الأوزاعي لأنه وطء في الفرج فنشر الحرمة كوطء المرأة ولأنها بنت من وطئه وأمه فحرمتا عيه كما لو كانت الموطوءة أنثى وقال أبو الخطاب يكون ذلك كالمباشرة دون الفرج يكون فيه روايتان والصحيح أن هذا لا ينشر الحرمة فإن هؤلاء غير منصوص عليهن في التحريم فيدخلن في عموم قوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ولأنهن غير منصوص عليهن ولا في معنى المنصوص عليه فوجب أن لا يثبت حكم التحريم فيهن فإن المنصوص عليهن في هذا حلائل الأبناء ومن نكحهن الآباء وأمهات النساء وبناتهن وليس هؤلاء منهن ولا في معناهن لأن الوطء في المرأة يكون سببا للبضعية ويوجب المهر ويلحق به النسب وتصير به المرأة فراشا ويثبت أحكاما لا يثبتها اللواط فلا يجوز إلحاقه بهن لعدم العلة وانقطاع الشبهة ولذلك لو أرضع الرجل طفلا لم يثبت حكم التحريم فههنا أولى وإن قدر بينهما شبه من وجه ضعيف فلا يجوز تخصيص عموم الكتاب به واطراح النص بمثله