فصل اشتراط المرأة لتزويجها طلاق ضرتها بطلاقه .
فصل : فإن شرطت عليه أن يطلق ضرتها لم يصح الشرط لماروى أبو هريرة قال [ نهى النبي A أن تشترط المرأة طلاق أختها ] وفي لفظ [ أن النبي A قال : لا تسأل المرأة طلاق أختها لتنكح ] والنهي يقتضي الفساد المنهي عنه ولأنها شرطت عليه فسخ عقده وإبطال حقه وحق امرأته فلم يصح كما لو شرطت عليه فسخ بيعه وقال أبو الخطاب هو شرط لازم لأنه لا ينافي العقد ولها فيه فائدة فأشبه ما لو شرطت عليه أن لا يتزوج عليها ولم أر هذا لغيره وقد ذكرنا ما يدل على فساده وعلى قياس هذا لو شرطت عليه بيع أمته .
القسم الثاني : ما يبطل الشرط ويصح العقد مثل أن يشترط أن لا مهر لها أو أن ينفق عليها أو ان أصدقها رجع عليها أو تشترط عليه أن لا يطأها أو يعزل عنها أو يقسم لها من قسم صاحبتها أو أكثر أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة أو شرط لها النهار دون الليل أو شرط على المرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئا فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها لأنها تنافي مقتضى العقد ولأنها تتضمن اسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده قلم يصح كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع فأما العقد في نفسه فصحيح لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره ولا يضر الجهل به فلم يبطل كما لو شرط في العقد صداقا محرما لأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد كالعتاق فقد نص أحمد في رجل تزوج امرأة وشرط عليها أن يبيت عندها في كل جمعة ليلة ثم رجعت وقالت لا أرضى إلا ليلة وليلة فقال : لها أن تنزل بطيب نفس منها فان ذلك جائز وإن قالت لا أرضى إلا بالمقاسمة كان ذلك حقا لها تطالبه إن شاءت .
ونقل عنه الأثرم في الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها أن يأتيها في الأيام يجوز الشرط فان شاءت رجعت وقال في الرجل يتزوج المرأة على أن تنفق عليه في كل شهر خمسة دراهم أو عشرة دراهم : النكاح جائز ولها أن ترجع في هذا الشرط وقد نقل عن أحمد كلام في بعض هذه الشروط يحتمل إبطال العقد نقل عنه المروذي في النهاريات والليليات : ليس هذا من نكاح أهل الاسلام وممن كره تزويج النهاريات حماد بن أبي سليمان وابن شبرمة .
وقال الثوري : الشرط باطل وقال أصحاب الرأي إذا سألته أن يعدل لها عدل وكان الحسن و عطاء لا يريان بنكاح النهاريات بأسا وكان الحسن لا يرى بأسا أن يتزوجها على أن يجعل لها في الشهر أياما معلومة ولعل كراهة من كره ذلك راجع إلى إبطال الشرط وإجازة من أجازه راجع إلى أصل النكاح فتكون أقوالهم متفقة على صحة النكاح وإبطال الشرط كما قلنا والله أعلم .
وقال القاضي إنما كره أحمد هذا النكاح لأنه يقع على وجه السر ونكاح السر منهي عنه فان شرط عليه ترك الوطء احتمل أن يفسد العقد لأنه شرط ينافي المقصود من النكاح وهذا مذهب الشافعي وكذلك ان شرط عليه أن لا تسلم اليه فهو بمنزلة ما لو اشترى شيئا على أن لا يقبضه وان شرط عليها أن لا يطأها لم يفسد لأن الوطء حقه عليها وهي لا تملكه عليه ويحتمل أن يفسد لأن لها فيه حقا ولذلك تملك مطالبته به إذا آلى والفسخ إذا تعذر بالجب والعنة .
القسم الثالث : ما يبطل النكاح من أصله مثل أن يشترطا تأقيت النكاح وهو نكاح المتعة أو أن يطلقها في وقت بعينه أو يعلقه على شرط مثل أن يقول زوجتك إن رضيت أمها أو فلان أو يشترط الخيار في النكاح لهما أو لأحدهما فهذه شروط باطلة في نفسها ويبطل بها النكاح وكذلك إن جعل صداقها تزويج امرأة أخرى وهو نكاح الشغار ونذكر ذلك في مواضعه إن شاء الله تعالى .
وذكر أبو الخطاب فيما إذا شرط الخيار إن رضيت أمها وإن جاءها بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما روايتين احداهما : النكاح صحيح والشرط باطل وقد قال أبو ثور إذا شرط الخيار وحكاه عن أبي حنيفة وزعم أنه لا خلاف فيها وقال ابن المنذر قال أحمد و اسحاق إذا تزوجها على أنه إن جاء بالمهر في وفت كذك وكذا وإلا فلا نكاح بينهما الشرط باطل والعقد جائز وهو قول عطاء و الثوري و أبو حنيفة و الأوزاعي وروي ذلك عن الزهري وروى ابن منصور عن أحمد في هذا أن العقد والشرط جائزان لقوله عليه السلام : [ المسلمون على شروطهم ] .
والرواية الأخرى : يبطل العقد من أصله في هذا لأن النكاح لا يكون إلا لازما وهذا يوجب جوازه ولأنه إذا قال إن رضيت أمها أو أن جئتني في وقت كذا فقد وقف النكاح على شرط ولا يجوز وقفه على شرط وهذا قول الشافعي ونحوه عن مالك و أبي عبيد