مسألة وفصول .
مسألة : قال : وإذا قال قد جعلت عتق أمتي صداقها بحضرة شاهدين فقد ثبت العتق والنكاح وإذا قال أشهد أني قد أعتقتها وجعلت عتقها صداقها كان العتق والنكاح أيضا ثابتين سواء تقدم القول العتق أو تأخر إذا لم يكن بينهما فصل فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها .
في هذه المسألة خمس فصول : .
الفصل الأول : أن ظاهر المذهب أن الرجل إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها فهو نكاح صحيح نص عليه أحمد في رواية جماعة وروي ذلك عن علي Bه وفعله أنس بن مالك وبه قال سعيد بن المسيب و أبو سلمة بن عبد الرحمن و الحسن و الزهري و إسحاق وقال الأوزاعي يلزمها أن تتزوجه وروى المرذوي عن أحمد إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها يوكل رجلا يزوجه وظاهر هذا أنه لم يحكم بصحة النكاح وقال أبو الخطاب هي الصحيحة واختارها القاضي وابن عقيل وهو قول أبي حنيفة و مالك و الشافعي لأنه لم يوجد إيجاب وقبول فلم يصح لعدم اركانه كما لو قال أعتقتك وسكت ولأنها بالعتق تملك نفسها فيجب أن يعتبر رضاها كما لو فصل بينهما ولأن العتق يزيل ملكه عن الاستمتاع بحق الملك فلا يجوز أن يستبيح الوطء بالمسمى فإنه لو قال بعتك هذه الأمة على أن تزوجنيها بالثمن لم يصح .
ولنا ما روى أنس [ أن رسول الله A أعتق صفية وجعل عتقها صداقها ] متفق عليه وفي لفظ أعتقها وتزوجها فقلت يا أبا حمزة وما أصدقها ؟ قال نفسها عتقها وروى الأثرم بإسناده [ عن صفية قالت أعتقني رسول الله A وجعل عتقي صداقي ] وبإسناد عن علي Bه أنه كان يقول إذا أعتق الرجل أم ولده فجعل عتقها صداقها فلا بأس بذلك ومتى ثبت العتق صداقا ثبت النكاح لأن الصداق لا يتقدم النكاح ولو تأخر العتق عن النكاح لم يجز فدل على أنه انعقد بهذا اللفظ ولأنه لم ينقل عن النبي A أنه استأنف عقدا ولو استأنفه لظهر ونقل كما نقل غيره ولأن من جاز له تزويج امرأة لغيره من غير قرابة جاز له أن يتزوجها كالإمام وقولهم لم يوجد إيجاب ولا قبول عديم التأثير فإنه لو وجد لم يحكموا بصحته وعلى أنه أن لم يوجد فقد وجد ما يدل عليه وهو جعل العتق صداقا فأشبه ما لو تزوج امرأة هو وليها وكما لو قال الخاطب للولي أزوجت ؟ فقال نعم وقال للزوج أقبلت ؟ قال نعم عند أصحابنا وكما لو أتى بالكنايات عند أبي حنيفة ومن وافقه .
الفصل الثاني : أن النكاح ينعقد بقوله أعتقتك وجعلت عتقك صداقك وتزوجتك وبذلك خاليا عن قوله : وتزوجتك وهذا لفظ الخرقي وهو الذي جاء في حديت أنس وبقوله جعلت عتقك صداقك وجعلت صداقك عتقك وهذا معنى قول الخرقي سواء تقدم العتق أو تأخر ونص أحمد على هذا في رواية صالح إذا قال جعلت عتقك صداقك أو صداقك عتقك كل ذلك جائز .
الفصل الثالث : أن لا يكون بينهما فصل ولو قال أعتقتك وسكت سكوتا يمكنه الكلام فيه أو تكلم بكلام أجنبي ثم قال جعلت عتقك صداقك لم يصح النكاح لأنها صارت بالعتق حرة فيحتاج إلى تزويجها برضاها بصداق جديد .
الفصل الرابع : أنه لا بد من شاهدين إذا قلنا بإشتراط الشهادة في النكاح نص عليه أحمد في رواية الجماعة وذلك لقوله : [ لا نكاح إلا بولي وشاهدين ] .
الفصل الخامس : أنه إذا طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها لأن الطلاق قبل الدخول يوجب الرجوع في نصف ما فرض لها قود فرض لها نفسها ولا سبيل إلى الرجوع في الرق بعد زوالة فرجع بنصف قيمة نفسها وبهذا قال الحسن و الحكم وقال الأوزاعي يرجع بربع قيمتها .
ولنا أنه طلاق قبل الدخول فأوجب الرجوع النصف كسائر الطلاق وتعتبر القيمة حالة الإعتاق لأنها حالة الإتلاف فإن لم تكن قادرة على نصف القيمة فهل تستسعى فيها أو تكون دينا تنطر به إلى حال القدرة ؟ على روايتين وإن قلنا إن النكاح لا ينعقد بهذا القول فعليها قيمة نفسها لأنه أزال ملكه بعوض لم يسلم له فرجع إلى قيمة المفوت كالبيع الفاسد وكذلك إن قلنا أن النكاح انعقد به فارتدت قبل الدخول أو فعلت ما ينفسخ به نكاحها مثل أن أرضعت زوجة له صغيرة ونحو ذلك انفسخ نكاحها قيمة نفسها .
فصل : وإن قال لأمته أعتقتك على أن تزوجيني نفسك ويكون عتقك صداقك أو لم يقل ويكون عتقك صداقك فقبلت عتقت ولم يلزمها أن تزوجه نفسها لأنه سلف في نكاح فلم يلزمها كما لو كان أسلف حرة ألفا على أن يتزوجها ولأنها أسقطت حقها من الخيار قبل وجود سببه فلم يسقط كالشفيع يسقط شفعته قبل البيع ويلزمها قيمة نفسها أومأ إليه أحمد في رواية عبد الله وهو مذهب الشافعي لأنه أزال ملكه منها بشرط عوض لم يسلم له فاستحق الرجوع بقيمته كالبيع الفاسد إذا تلفت السلعة في يد المشتري والنكاح الفاسد إذا اتصل به الدخول ويحتمل أن لا يلزمها شيء بناء على ما إذا قال لعبده اعتقتك على أن تعطيني ألفا وهذا قول مالك و زفر لأن هذا ليس بلفظ شرط فأشبه ما لو قال أعتقتك وزوجيني نفسك وتعتبر القيمة حالة العتق ويطالبها بها في الحال إن كانت قادرة عليها وإن كانت معسرة فهل تنظر إلى الميسرة أو تجبر على الكسب ؟ على روايتين أصلهما في المفلس هل يجبر على الكسب ؟ على روايتين .
فصل : وإن اتفق السيد وأمته على أن يعتقها وتزوجه نفسها فتزوجها على ذلك صح ولا مهر لها غير ما شرط من العتق وبه قال أبو يوسف وقال أبو حنيفة و الشافعي لا يكون العتق صداقا لكن إن تزوجها على القيمة التي له في ذمتها وهما يعلمان القيمة صح الصداق .
ولنا أن العتق صلح صداقا في حق النبي A فيجوز في حق أمته كالدراهم ولأنه يصلح عوضا في البيع فإنه لة أعتق عبدك على ألف جاز فلأن يكون عوضا في النكاح أولى فإن النكاح لا يقصد فيه العوض وعلى هذا لو تزوجها على أن يعتق أباها صح نص عليه أحمد في رواية عبد الله إذا ثبت هذا فإن العتق يصير صداقا كما لو دفع إليها مالا ثم تزوجها عليه فإن بذلت له نفسها ليتزوجها فامتنع لم يجبر وكانت له القيمة لأنها إذا لم تجبر على تزويجه نفسها لم يجبر هو على قبولها وحكم المدبرة والمعتقة بصفة وأم الولد حكم الأمة القن في جميع ما ذكرناه .
فصل : فإن أعتقت امرأة عبدها بشرط أن يتزوجها عتق ولا شيء عليه لأن النكاح يحصل به الملك للزوج وليس بمملوك به فإذا اشترطت عليه إثبات الملك له لم يلزمه ذلك كما لو اشترطت عليه أن تملكه دارا ولو أراد العبد تزوجها لم تجبر لأن الشرط لها فلا يوجب عليها كما لو شرط السيد على أمته أن تزوجه نفسها لم يلزمه ذلك .
فصل : ولا بأس أن يعتق الرجل الأمة ثم يتزوجها سواء أعتقها لوجه الله تعالى أو أعتقها ليتزوجها وكره أنس تزويج من أعتقها لله تعالى قال الأثرم قلت لأبي عبد الله روى شعبة عن قتادة عن أنس أنه كره أن يعتق الأمة ثم يتزوجها فقال نعم قال إذا أعتقها لله كره أن يرجع في شيء منها .
ولنا ما روى أبو موسى قال : [ قال رسول الله A : من كانت عنده جارية فعلمها وأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها فذلك له أجران ] متفق عليه ولأنه إذا تزوجها فقد أحسن إليها باعفافها وصيانتها فلم يكره كما لو زوجها غيره وليس في هذا رجوع فيما جعل لله فإنه إنما يتزوجها بصداقها فهو بمنزلة من اشترى منها شيئا .
فصل : وإذا أراد أن يتزوجها بعد عتقها لم يحتج إلى استبراء سواء كان يطؤها أو لم يكن لأن الاستبراء لصيانة الماء ولا يصان ذلك عنه فإن اشترى أمة فأعتقها قبل أن يستبرئها لم يحل له أن يتزوجها ولا يزوجها حتى يستبرئها لأنه كان واجبا فلا يسقط بإعتاقه لها قال أحمد في الرجل تكون له الأمة لا يطؤها فيعتقها : لا يتزوجها من يومها حتى يستبرئها فإن كان يطؤها فأعتقها تزوجها من يومه ومتى شاء لأنها في مائة قال القاضي معنى قوله إن كان يطؤها أي يحل له وطؤها وهي التي قد استيرأها .
وقوله إن كان لا يطؤها أي لا يحل له وطؤها وهي التي لم يمض عليها زمان الاستبراء فلا يحل له تزوجها حتى يستبرئها وإذا مضى لها بعض الاستبراء قبل عتقها أتمته بعده ولا يلزمها استئناف الاستبراء لأن الاستبراء وجب بالشراء لا بالعتق فيحسب ابتداؤه من حين وجد سببه .
فصل : وإن قال اعتق عبدك على أن أزوجك ابنتي فأعتقه لم يلزمه أن يزوجه ابنته لأنه سلف في النكاح وعليه قيمة العبد وقال الشافعي في أحد قوليه لا يلزمه شيء لأنه لا فائدة له في العتق .
ولنا أنه أزال ملكه عن عبده بعوض شرطه فلزمه عوضه كما لو قال أعتق عبدك عني وعلي ثمنه وكما لو قال طلق زوجتك وعلي ألف فطلقها أو قال الق متاعك في البحر وعلي ثمنه وبهذه الأصول يبطل قولهم أنه لا فائدة له في العتق