مسألة وفصول .
مسألة : قال : ومن زوج غلاما غير بالغ أو معتوها لم يجز إلا أن يزوجه والده أو وصي ناظر له في التزويج .
الكلام في هذه المسألة في فصول أربعة : .
الفصل الأول : أنه ليس لغير الأب أو وصية تزويج الغلام قبل بلوغه وقال القاضي المجرد للحاكم تزويجه لأنه يلي ماله وقال الشافعي يملك ولي الصبي تزويجه ليألف حفظ فرجه عند بلوغه وليس بسديد فإن غير الأب لا يملك تزويج الجارية الصغيرة فالغلام أولى وفارق الأب ووصيه فإن لهما تزويج الصغيرة وولاية الإجبار وسواء أذن الغلام في تزويجه أو لم يأذن فإنه لا إذن له .
الفصل الثاني : في المعتوه وهو الزائل العقل بجنون مطبق ليس لغير الأب ووصيه تزويجه وهذا قول مالك وقال أبو عبد الله بن حامد للحاكم تزويجه إذا ظهر منه شهوة النساء بأن يتبعهن ويريدهن وهذا مذهب الشافعي لأن ذلك من مصالحه وليس له حال ينتظر فيها إذنه وقد ذكرنا توجيه الوجهين في تزويج المجنونة وينبغي على هذا القول أن يجوز تزويجه إذا قال أهل الطب إن في تزويجه ذهاب علته لأنه من أعظم مصالحه والله أعلم .
الفصل الثالث : أن للأب أو وصيه تزويجهما سواء كان الغلام عاقلا أو مجنونا وسواء كان الجنون مستداما أة طارئا فأما الغلام السليم من الجنون فلا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن لأبيه تزويجه كذلك قال ابن المنذر وممن هذا مذهبه الحسن و الزهري و قتادة و مالك و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و الشافعي وأصحاب الرأي فلأبيه تزويجه وقال الشافعي لا يجوز لأنه يلزمه التزويج حقوقا من المهر والنفقة مع عدم حاجته فلم يجز له ذلك كغيره من الأولياء .
ولنا أنه غير بالغ فملك أبوه تزويجه كالعاقل ولأنه إذا ملك تزويج العاقل مع أن له مع احيتاجه إلى التزويج رأيا ونظرا لنفسه فلأن يجوز تزويج من لا يتوقع فيه ذلك أولى وفارق غير الأب فإنه لا يملك تزويج العاقل وأما البالغ المعتوه فظاهر كلام أحمد و الخرقي أن للأب تزويجه مع ظهور أمارات الشهوة وعدمها وقال القاضي إنما يجوز تزويجه إذا ظهرت منه أمارات الشهوة باتباع النساء ونحوه وهو مذهب الشافعي لأن في تزويجه مع عدم حاجته اضرارا به بإلزامه حقوقا لا مصلحة له في التزامها وقال ابو بكر ليس للأب تزويجه بحال لأنه رجل فلم يجز إجباره على النكاح كالعاقل وقال زفر أن طرأ عليه الجنون بعد البلوغ لم يجز تزويجه وإن كان مستداما جاز .
ولنا أنه غير مكلف فجاز لأبيه تزويجه كالصغير فإنه إذا جاز تزويج الصغير مع عدم حاجته في الحال وتوقع نظره عند الحاجة فههنا أولى .
ولنا على التسوية بين الطارىء والمستدام أنه معنى يثبت الولاية طارئة ومستدامه كالرق ولأنه جنون يثبت الولاية على ماله فأثبتها عليه في النكاح كالمستدام فأما اعتبار الحاجة فلا بد منها فإنه لا يجوز لوليه تزويجه إلا إذا رأى المصلحة فيه غير أن الحاجة لا تنحصر في قضاء الشهوة فقد تكون حاجته إلى الإيواء والحفظ وربما كان دواء له ويترجى به شفاؤه فجاز التزويج له كقضاء الشهوة والله أعلم .
فصل : ومن يفيق في الأحيان لا يجوز تزويجه إلا بإذنه لأن ذلك ممكن ومن أمكن أن يتزوج لنفسه لم تثبت الولاية عليه كالعاقل ولو زال عقله ببرسام أو مرض مرجو الزوال فهو كالعاقل فإن ذلك لا يثبت الولاية على ماله فعلى نفسه أولى وإن لم يرج زواله فهو داخل فيما ذكرناه .
الفصل الرابع : أن وصي الأب في النكاح بمنزلته على ما ذكرنا في ثبوت الولاية للوصي على المرأة وفي هذا من الخلاف مثل ما فيه وإنما يثبت ذلك لوصي الأب في التزويج خاصة فإن كان وصيا في المال لم تكن له ولاية في التزويج لأنه إنما يستفيد بالتصرف بالوصية فلا يملك ما لم يوص به إليه ووصي غير الأب لا ولاية له على صبي أو مجنون لأن الموصي لا يملك ذلك فوصيه أولى .
فصل : وإن تزوج لصغير أو مجنون فإنه يقبل لهما النكاح ولا يجوز أن يأذن لهما في قبوله لأنهما ليسا من أهل التصرف وإن كان الغلام ابن عشر وهو مميز فقياس المذهب جواز تفويض القبول إليه حتى يتولاه بنفسه كما يفوض أمر البيع إليه ولأنه يملك إيقاع الطلاق بنفسه وإن تزوج له الولي جاز كما يجوز أن يبتاع له وهذا على الرواية التي تقول بصحة ووقع طلاقه وإن قلنا لا يصح ذلك منه فهذا أولى .
فصل : وذكر القاضي أنه لا يجوز أن يتزوج لهما بزيادة على مهر المثل لأنه معاوضة في حق الغير فلم تجز الزيادة فيها على عوض المثل كبيع ماله وهذا مذهب الشافعي وقد ذكرنا أن للأب تزويج ابنته بدون صداق مثلها فهذا مثله فإنه قد يرى المصلحة في ذلك فجاز له بذل المال فيه كما يجوز في مداواته بل الوصول ههنا أولى فإن الغالب أن المرأة لا ترضى بتزويج مجنون إلا أن ترغب بزيادة على مهر مثلها فيتعذر الوصول إليه بدون بخلاف المرأة و ذكر القاضي في المجرد أن قياس المذهب أنه لا يزوجه بأكثر من امرأة واحدة لعدم حاجته إلى زيادة عليها فيكون بذلا لماله فيما لا حاجة به إليه وذكر في الجامع أن له تزويج ابنه الصغير بأربع لأنه قد يرى المصلحة فيه وليس له تزويجه بمعيبة عيبا يرد به في النكاح لأن فيه ضررا به وتفويتا لماله فيما لا مصلحة له فيه فإن فعل خرج في صحة النكاح وجهان فإن قلنا يصح فهل للولي الفسخ في الحال ؟ على وجهين مضى توجيههما في تزويج الصغيرة بمعيب ومتى لم يفسخ حتى بلغ الصبي أو عقل المجنون فلهما الفسخ وليس له تزويجه بأمة لأن إباحتها مشروطة بخوف العنت وهو معدوم في حق الصبي غير معدوم في المجنون .
فصل : وإذا زوج ابنة تعلق الصداق بذمة الابن موسرا كان أو معسرا لأنه عقد للاين فكان عليه بذله كثمن المبيع وهل يضمنه الأب ؟ فيه روايتان : احداهما : يضمنه نص عليه فقال تزويج الأب لابنه الطفل جائز ويضمن الأب المهر لأنه التزم العوض عنه فضمنه كما لو نطق بالضمان والأخرى : لا يضمنه لأنه عقد معاوضة ناب فيه عن غيره فلم يضمن عوضه كثمن مبيعه أو كالوكيل قال القاضي هذا أصح وقال إنما الروايتان فيما إذا كان معسرا أما الموسر فلا يضمن الأب عنه رواية واحدة فإن طلق قبل الدخول سقط نصف الصداق فإن كان ذلك بعد دفع الأب الصداق عنه رجع نصفه إلى الابن وليس للأب الرجوع فيه بمعنى الرجوع في الهبة لأن الابن ملكه بالطلاق عن غير أبيه فأشبه ما لو وهبه الأب أجنبيا ثم وهبه الأجنبي للابن ويحتمل أن يرجع فيه لأنه تبرع عن ابنه فلم يستقر الملك حتى استرجعه الابن وكذلك الحكم فيما لو قضى الصداق عن ابنه الكبير ثم طلق قبل الدخول وإن ارتدت قبل الدخول فالحكم في الرجوع في جميعه كالحكم في الرجوع في النصف بالطلاق