مسألة حكم تزويج الولي الأبعد مع حضور الأقرب .
مسألة : قال : وإذا زوجها من غيره أولى منه وهو حاضر ولم يعضلها فالنكاح فاسد .
هذه المسألة تشتمل على أحكان ثلاثة أحدها : أنه إذا زوجها الولي الأبعد مع حضور الولي الأقرب فأجابته إلى تزويجها من غير إذنه لم يصح وبهذا قال الشافعي وقال مالك يصح لأن هذا ولي له أن يزوجها بإذنها كالأقرب .
ولنا أن هذا مستحق بالتعصيب فلم يثبت للأبعد مع وجود الأقرب كالميراث وبهذا فارق القريب البعيد .
الحكم الثاني : أن هذا العقد بيع فاسد لا يقف على الإجازة ولا يصير بالإجازة صحيحا وكذلك الحكم إذا زوج الأجنبي أو زوجت المرأة المعتبر إذنها بغير إذنها أو تزوج العبد بغير إذن سيده فالنكاح في هذا كله باطل في أصح الروايتين نص أحمد عليه في مواضع وهو قول الشافعي و أبي عبيد و أبي ثور وعن أحمد رواية أخرى انه يقف على الإجازة فإن أجازه جاز وإن لم يجزه فسد قال أحمد في صغير زوجه عمه فإن رضي به في وقت من الأوقات جاز وإن لم يرض فسخ وإذا زوجت اليتيمة فلها الخيار إذا بلغت وقال إذا زوج العبد بغير إذن سيده ثم علم سيده فإن شاء أن يطلق عليه فالطلاق بيد السيد فإن أذن في التزويج فاطلاق بيد العبد وهذا قول أصحاب الرأي في كل مسألة يعتبر فيها الإذن وروي ذلك في النكاح بغير ولي عن علي بن أبي طالب وعن ابن سيرين و القاسم بن محمد و الحسن بن صالح و إسحاق و أبي يوسف و محمد لما روي [ أن جارية أتت النبي صلى ا لله عليه وسلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي A ] رواه أبو داود و ابن ماجة .
وروي [ أن فتاة أتت النبي A فقالت أن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسه قال فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكني أردت أن أعلم أن للنساء من الأمر شيئا ] رواه ابن ماجة و النسائي وفي رواية ابن ماجة أردت أن يعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء ولأنه عقد يقف على الفسخ فوقف على الإجازة كالوصية .
ولنا قول النبي A : [ أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ] وقال : [ إذا نكح العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل ] رواه أبو داود و ابن ماجة إلا أن داود قال إنه موقوف على ابن عمر .
ولأنه عقد لا تثبت فيه أحكامه من الطلاق والخلع واللعان والتوارث وغيرها فلم ينعقد كنكاح المعتدة فأما حديث المرأة التي خيرها النبي A فهو مرسل عن عكرمة رواه الناس كذلك ولم يذكروا ابن عباس قاله أبو داود ثم يحتمل أن هذه المرأة هي التي قالت زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسة فتخييرها لتزويجها من غير كفئها وهذا يثبت الخيار ولا يبطل النكاح والوصية يتراخى فيها القبول وتجوز بعد الموت فهي معدول بها عن سائر التصرفات ولا تفريع على هذه الرواية لوضوحها فأما على الرواية الأخرى فإن الشهادة تعتبر في العقد لأنها شرط له فيعتبر وجودها معه كالقبول ولاتعتبر في الإجازة لأنها ليست بعقد ولأنها إذا وجدت استند الملك إلى حالة العقد حتى لو كان في العقد نماء ملك من حين العقد لا من حين الإجازة وإن مات أحدهما قبل الإجازة لم يرثه الآخر لأنه مات قبل تمام العقد وصحته وفيه وجه آخر إن كان مما لو رفع إلى الحاكم أجازه ورثه الآخر لأنه عقد يلزمه إجازته فهو كالصحيح وإن كان مما يفسخه لم يرثه