فصول : الوصية بتفريق المال وسداد الدين .
فصل : وإذا أوصى إليه بتفريق مال لم يكن له أخذ شيء منه نص عليه أحمد فقال إذا كان في يده مال للمساكين وأبواب البر وهو يحتاج إليه فلا يأكل منه شيئا إنما أمر بتنفيذه وبهذا قال مالك و الشافعي وقال أبو ثور وأصحاب الرأي إذا قال الموصي جعلت لك أن تضع ثلثي حيث شئت أو حيث رأيت فله أخذه لنفسه وولده ويحتمل أن يجوز ذلك عندنا لأنه يتناوله لفظ الموصي ويحتمل أن ينظر إلى قرائن الأحوال فإن دلت على أنه أراد أخذه منه مثل أن يكون من جملة المستحقين الذين يصرف إليهم ذلك أو عادته الأخذ من مثله فله الأخذ منه وإلا فلا ويحتمل أن له إعطاء ولده وسائر أقاربه إذا كانوا مستحقين دون نفسه لأنه مأمور بالتفريق وقد فرق فيمن يستحق فأشبه ما لو دفع إلى أجنبي .
ولنا أنه تمليك ملكه بالإذن فلا يجوز أن يكون قابلا كما لو وكله في بيع سلعة لم يجز له بيعها من نفسه .
فصل : وإن وصى إليه بتفريق ثلثه فأبى الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم فعنه روايتان : إحداهما : يخرج الثلث كله مما في يده نقلها أبو طالب لأن حق الموصى له متعلق بأجزاء التركة فجاز أن يدفع إليه مما في يده كما يدفع إلى بعض الورثة والأخرى : يدفع إليه ثلث ما في يده ولا يعطيهم شيئا مما في يده حتى يخرجوا ثلث ما في أيديهم نقلها أبو الحارث لأن صاحب الدين إذا كان للمدين في يديه مال لم يملك استيفاءه مما في يديه كذا ههنا ويمكن حمل الروايتين على اختلاف حالين فالرواية الأولى محمولة على ما إذا كان المال جنسا واحدا فللموصي أن يخرج الثلث كله مما في يديه لأنه لا فائدة في انتظار إخراجهم مما في أيديهم مع اتحاد الجنس والرواية الثانية محمولة على ما إذا كان المال أجناسا فإن الوصية تتعلق بثلث كل جنس فليس له أن يخرج عوضا عن ثلث ما في أيديهم مما في يده لأن معاوضة لا تجوز إلا برضاهم والله أعلم .
فصل : إذا علم الوصي أن على الميت دينا إما بوصية الميت أو غيرها فقال أحمد لا يقضيه إلا ببينة قيل له فإن كان ابن الميت يصدقه ؟ قال : يكون ذلك في حصة من أقر بقدر حصته وقال فيمن استودع رجلا ألف درهم وقال إن أنا مت فادفعها إلى ابني الكبير وله ابنان أو قال ادفعها إلى أجنبي فقال إن دفعها إلى أحد الابنين ضمن للآخر قدر حصته وإن دفعها إلى الآخر ضمن ولعل هذا من أحمد فيما إذا لم يصدق الورثة الوصي ولم يقروا فلا يقبل قوله عليهم وليس له الدفع بغير إذنهم لأن قوله أقر عندي وأذن لي إثبات ولاية فلا يقبل قوله فيه ولا شهادته لأنه يشهد لنفسه بالولاية وقد نقل أبو داود في رجل أوصى أن لفلان علي كذا ينبغي للوصي أن ينفذه ولا يحل له أن لم ينفذ فهذه المسألة محمولة على أن الورثة يصدقون الوصي أو المدعي أو له بينة بذلك جمعا بين الروايتين وموافقة للدليل قيل ل أحمد فإن علم الموصى إليه لرجل حقا على الميت فجاء الغريم يطالب الوصي وقدمه إلى القاضي ليستحلفه ان مالي في يديك حق فقال لا يحلف ويعلم القاضي بالقضية فإن أعطاه القاضي فهو أعلم فإن ادعى رجل دينا على الميت وأقام به بينة فهل يجوز للوصي قبولها وقضاء الدين بها من غير حضور حاكم فكلام أحمد يدل على روايتين .
إحداهما : قال لا يجوز الدفع إليه بدعواه إلا أن تقوم البينة فظاهر هذا أنه جوز الدفع بالبينة من غير حكم حاكم لأن البينة له حجة وقال في موضع آخر إلا أن يثبت ببينة عند الحاكم بذلك فأما إن صدقهم الورثة على ذلك قبل لأنه إقرار منهم على أنفسهم