فصلان : حكم الوصية بالثلث في أبواب البر .
فصل : وإن قال اشتروا بثلثي رقابا فأعتقوهم لم يجز صرفه إلى المكاتبين لأنه وصى بالشراء لا بالدفع إليهم فإن اتسع الثلث لثلاثة لم يجز أن يشتري أقل منهما لأنها أقل الجمع وإن قدرت على أن تشتري أكثر من ثلاثة بثمن ثلاثة غالية كان أولى وأفضل لأن النبي A قال : [ من أعتق امرأ مسلما أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار ] ولأنه يفرج عن نفس زائدة فكان أفضل من عدم ذلك وإن أمكن شراء ثلاثة رخيصة وحصة من الرابعة بثمن ثلاثة غالية فالثلاثة أولى ل [ أن النبي A لما سئل عن أفضل الرقاب قال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ] والقصد من العتق تكميل الأحكام من الولاية والجمعة والحج والجهاد وسائر الأحكام التي تختلف بالرق والحرية ولا يحصل ذلك إلا بإعتاق جميعه وهذا التفضيل والله أعلم من النبي A للغالية إنما يكون مع التساوي في المصلحة فأما إن ترجح بعضهم بدين وعفة وصلاح ومصلحة له في العتق بأن يكون مضرورا بالرق فله صلاح في العتق وغيره له مصلحة في الرق ولا مصلحة له في العتق وربما تضرر به من فوات نفقته وكفالته ومصالحه وعجزه بعد العتق عن الكسب وخروجه عن الصيانة والحفظ فإن إعتاق من كثرت المصلحة في إعتاقه أفضل وأولى وإن قلت قيمته ولا يسوغ إعتاق من في اعتاقه مفسدة لأن مقصود الموصي تحصيل الثواب والأجر ولا أجر في اعتاق هذا ولا يجوز أن يعتق إلا رقبة مسلمة لأن الله تعالى لما قال : { فتحرير رقبة } لم يتناول إلا المسلمة ومطلق كلام الآدمي محمول على مطلق كلام الله تعالى ولا يجوز إعتاق معيبة عيبا يمنع الأجزاء في الكفارة لما ذكرنا والله أعلم .
فصل : ونقل المرذوي عن أحمد فيمن أوصى بثلثه في أبواب البر يجزأ ثلاثة أجزاء أجزاء في الجهاد وجزءا يتصدق به في قرابته وجزءا في الحج وقال في رواية أبي داود الغزو يبدأ به وحكي عنه أنه جعل جزءا في فداء الأسرى وهذا والله أعلم ليس على سبيل اللزوم والتحديد بل يجوز صرفه في جهات البر كلها لأن اللفظ للعموم فيجب حمله على عمومه ولا يجوز تخصيص العموم بغير دليل وربما كان غير هذه الجهات أحوج من بعضها وأحق وقد تدعو الحاجة إلى تكفين ميت وإصلاح طريق وفك أسير وإعتاق رقبة وقضاء دين وإغاثة ملهوف أكثر من دعائها إلى حج من لا يجب عليه الحج فيكلف وجوب ما لم يكن عليه واجبا وتعبا كان الله قد أراحه منه من غير مصلحة تعود على أحد من خلق الله فتقديم هذا على ما مصلحته ظاهرة والحاجة إليه داعية بغير دليل تحكم لا معنى له .
وإذا قال ضع ثلثي حيث يريك الله فله صرفه في أي جهة من جهات القرب رأى وضعه فيها عملا بمقتضى وصية وذكر القاضي أنه يجب صرفه إلى الفقراء والمساكين والأفضل صرفه إلى فقراء أقاربه فإن لم يجد فإلى محارمه من الرضاع فإن لم يكن فإلى جيرانه وقال أصحاب الشافعي : يجب ذلك لأنه رده إلى اجتهاده فيما فيه الحظ وهذا أحظ .
ولنا أنه قد يرى غير هذا أهم منه وأصلح فلا يجوز تقييده بالتحكم ونقل أبو داود عن أحمد أنه سئل عن رجل أوصى بثلثه في المساكين وله أقارب محاويج لم يوص لهم بشيء ولم يرثوا فإنه يبدأ بهم فإنهم أحق قال وسئل عن النصراني يوصي بثلثه للفقراء من المسلمين أيعطى اخوته وهم فقراء ؟ قال : نعم هم أحق يعطون خمسون درهما لا يزادون على ذلك يعني لا يزاد كل واحد منهم على ذلك لأنه القدر الذي يحصل به الغنى