فصول : ما يصح بالوصية وما لا يصح .
فصل : وتصح وصية المسلم للذمي والذمي للمسلم والذمي للذمي روي إجازة المسلم للذمي عن شريح و الشعبي و الثوري و الشافعي Bه و إسحاق وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وقال محمد بن الحنفية و عطاء و قتادة في قوله تعالى : { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا } هو وصية المسلم لليهودي والنصراني وقال سعيد : حدثنا سفيان عن أيوب عن عكرمة أن صفية بنت حيي باعت حجرتها من معاوية بمائة ألف وكان لها أخ يهودي فعرضت عليه أن يسلم فيرث فأبى فأوصت له بثلث المائة ألف ولأنه تصح له الهبة فصحت الوصية له كالمسلم وأنها صحت وصية المسلم للذمي فوصية الذمي للمسلم والذمي للذمي أولى ولا تصح إلا بما تصح به وصية المسلم للمسلم ولو أوصى لوارثه أو لأجنبي بأكثر من ثلثه وقف على إجازة الورثة كالمسلم سواء .
فصل : وتصح الوصية للحربي في دار الحرب نص عليه أحمد وهو قول مالك وأكثر أصحاب الشافعي Bه وقال بعضهم : لا تصح وهو قول أبي حنيفة لأن الله تعالى قال : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم } - إلى قوله - { إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين } الآية فبدل ذلك على أن من قاتلنا لا يحل بره .
ولنا : أنه تصح هبته فصحت الوصية له كالذمي وقد روي [ أن النبي A أعطى عمر حلة من حرير فقال يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت فقال : إني لم أعطكها لتلبسها فكساها عمر أخا مشركا له بمكة ] و [ عن أسماء بنت أبي بكر قالت : أتتني أمي وهر راغبة - تعني عن الإسلام - فسألت رسول الله A فقلت : يا رسول الله أتتني أمي وهي راغبة أفأفصلها ؟ قال : نعم ] وهذان فيهما صلة أهل الحرب وبرهم والآية حجة لنا فيمن لم يقاتل فأما المقاتل فإنه نهي عن تولية لا عن بره والوصية له وإن احتج بالمفهوم فهو لا يراه حجة ثم قد حصل الإجماع على جواز الهبة والوصية في معناها فأما المرتد فقال أبو الخطاب تصح الوصية له كما تصح هبته وقال ابن أبي موسى : لا تصح لأن ملكه غير مستقر ولا يرث ولا يورث فهو كالميت ولأن ملكه يزول عن ماله بردته في قول أبي بكر وجماعة فلا يثبت له الملك بالوصية .
فصل : ولا تصح الوصية لكافر بمصحف ولا عبد مسلم لأنه لا يجوز هبتهما له ولا بيعهما منه وإن أوصى له بعبد كافر فأسلم قبل موت الموصي بطلت الوصية وإن أسلم بعد الموت وقبل القبول بطلت عند من يرى أن الملك لا يثبت إلا بالقبول لأنه لا يجوز أن يبتدئ الملك على مسلم ومن قال يثبت الملك بالموت قبل القبول قال الوصية صحيحة لأننا نتبين أن الملك يثبت بالموت لأنه أسلم بعد أن ملكه ويحتمل أن لا يصح أيضا لأنه يأتي بسبب لولاه لم يثبت الملك فمنع منه كابتداء الملك .
فصل : ولا تصح الوصية بمعصية وفعل محرم مسلما كان الموصي أو ذميا فلو وصى ببناء كنيسة أو بيت نار أو عمارتهما أو الإنفاق عليهما كان باطلا وبهذا قال الشافعي Bه و أبو ثور وقال أصحاب الرأي يصح فأجاز أبو حنيفة الوصية بأرضه تبنى كنيسة وخالفه صاحباه وأجاز أصحاب الرأي أن يوصي بشراء خمر أو خنازير ويتصدق بها على أهل الذمة وهذه وصايا باطلة وأفعال محرمة لأنها معصية فلم تصح الوصية بها كما لو وصى بعبده أو أمته للفجور وإن وصى لكتب التوراة والإنجيل لم تصح لأنها كتب منسوخة وفيها تبديل والاشتغال بها غير جائز وقد غضب النبي A حين رأى مع عمر شيئا مكتوبا من التوراة وذكر القاضي أنه لو أوصى لحصر البيع وقناديلها وما شاكل ذلك ولم يقصد إعظامها بذلك صحت الوصية لأن الوصية لأهل الذمة فإن النفع يعود إليهم والوصية لهم صحيحة والصحيح أن هذا مما لا تصح الوصية به لأن ذلك إنما هو إعانة لهم على معصيتهم وتعظيم لكنائسهم ونقل عن أحمد كلام يدل لصحة الوصية من الذمي بخدمة الكنيسة والأول أولى وأصح وإن وصى ببناء بيت يسكنه المجتازون من أهل الذمة وأهل الحرب صح لأن بناء مساكنهم ليس بمعصية