مسألة وفصل : وصية الصبي والمجنون وحكمها .
مسألة : قال : ومن جاوز العشر سنين فوصيته جائزة إذا وافق الحق .
هذا المنصوص عن أحمد فإنه قال في رواية صالح وحنبل تجوز وصيته إذا بلغ عشر سنين قال أبو بكر لا يختلف المذهب أن من له عشر سنين تصح وصيته ومن له دون السبع لا تصح وصيته وما بين السبع والعشر فعلى روايتين وقال ابن أبي موسى لا تصح وصية الغلام لدون العشر ولا الجارية قولا واحدا وما زاد على العشر فتصح على المنصوص وفيه وجه آخر لا تصح حتى يبلغ وقال القاضي و أبو الخطاب : تصح وصية الصبي إذا عقل وروي عن عمر Bه أنه أجاز وصية الصبي وهو قول عمر بن عبد العزيز و شريح و عطاء و الزهري و إياس و عبد الله بن عتبة و الشعبي و النخعي و مالك و إسحاق قال إسحاق : إذا بلغ اثنتي عشرة وحكاه ابن المنذر عن أحمد وعن ابن عباس لا تصح وصيته حتى يبلغ وبه قال الحسن و مجاهد وأصحاب الرأي ولل شافعي قولان كالمذهبين واحتجوا بأنه تبرع بالمال فلا يصح من الصبي كالهبة والعتق ولأنه لا يقبل إقراره فلا تصح وصيته كالطفل .
ولنا ما روي أن صبيا من غسان له عشر سنين أوصى لأخوال له فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب Bه فأجاز وصيته رواه سعيد وروى مالك في موطئه عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن عمرو بن سليم أخبره أنه قيل لعمر بن الخطاب أن ههنا غلاما يفاعا لم يحتلم وورثته بالشام وهو ذو مال وليس له ههنا إلا ابنة عم له فقال عمر فليوص لها فأوصى لها بمال يقال له بئر جشم قال عمرو بن سليم فبعث ذلك المال بثلاثين ألفا وابنة عمه التي أوصى لها هي أم عمرو بن سليم قال أبو بكر وكان الغلام ابن عشرة أو اثني عشرة سنة وهذه قصة انتشرت فلم تنكر ولأنه تصرف تمحض نفعا للصبي فصح منه كالإسلام والصلاة وذلك لأن الوصية صدقة يحصل ثوابها له بعد غناه عن ملكه وماله فلا يلحقه ضرر في عاجل دنياه ولا أخراه بخلاف الهبة والعتق والمنجز فإنه يفوت من ماله ما يحتاج إليه وإذا ردت رجعت إليه وههنا لا يرجع إليه بالرد والطفل لا عقل له ولا يصح إسلامه ولا عبادته وقوله إذا وافق الحق يعني إذا وصى بوصية يصح مثلها من البالغ صحت منه وإلا فلا قال شريح و عبد الله بن عتبة وهما قاضيان : من أصاب الحق أجزنا وصيته .
فصل : فأما الطفل وهو من له دون السبع والمجنون والبرسم فلا وصية لهم وهذا قول أكثر أهل العلم منهم حميد بن عبد الرحمن و مالك و الأوزاعي و الشافعي Bهم وأصحاب الرأي ومن تبعهم ولا نعلم أحدا خالفهم إلا إياس بن معاوية قال في الصبي والمجنون إذا وافقت وصيتهم الحق جازت وليس بصحيح فإنه لا حكم لكلامهما ولا تصح عبادتهما ولا شيء من تصرفاتهما فكذا الوصية بل أولى فإنه إذا لم يصح إسلامه وصلاته التي هي محض نفع لا ضرر فيها فلأن لا يصح بذله لمال يتضرر به وارثه أولى ولأنها تصرف يفتقر إلى إيجاب وقبول فلا يصح منهما كالبيع والهبة