فصول : المحاباة في المرض والتزويج والمخالعة .
فصل : في المحاباة في المرض وهي أن يعاوض بماله ويسمح لمن عاوضه ببعض عوضه وهي على أقسام : القسم الأول : المحاباة في البيع والشراء ولا يمنع ذلك صحة العقد في قول الجمهور وقال أهل الظاهر العقد باطل .
ولنا عموم قول الله تعالى : { وأحل الله البيع } ولانه تصرف صدر من أهله في محله فصح كغير المريض فلو باع في مرضه عبدا لا يملك غيره قيمته ثلاثون بعشرة فقد حابى المشتري بثلثي ماله وليس له المحاباة بأكثر من الثلث فإن أجاز الورثة ذلك لزم البيع وإن لم يجيزوا فاختار المشتري فسخ البيع فله ذلك لأن الصفقة تبعضت عليه وإن اختار إمضاء البيع فالصحيح عندي أنه يأخذ نصف المبيع بنصف الثمن ويفسخ البيع في الباقي وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الثاني أنه يأخذ ثلثي المبيع بالثمن كله إلى هذا أشار القاضي في نحو هذه المسألة لأنه يستحق الثلث بالمحاباة والثلث الآخر بالثمن وقال أهل العراق يقال له إن شئت أديت عشرة أخرى وأخذت المبيع وإن شئت فسخت ولا شيء لك وعند مالك له أن يفسخ ويأخذ ثلث المبيع بالمحاباة ويسميه أصحابه خلع الثلث .
ولنا أن فيما ذكرناه مقابلة بعض المبيع بقسطه من الثمن عند تعذر أخذ جميعه بجميعه فصح ذلك كما لو اشترى سلعتين بثمن فانفسخ البيع في إحداهما لعيب أو غيره أو كما لو اشترى شقصا وسيفا فأخذ الشفيع الشقص أو كالشفعاء يأخذ كل واحد منهم جزءا من المبيع بقسطه أو كما لو اشترى قفيزا يساوي ثلاثين بقفيز قيمته عشرة وأما الوجه الذي اختاره القاضي فلا يصح لأنه أوجب له المبيع بثمن فيأخذ بعضه بالثمن كله فلا يصح كما لو قال بعتك هذا بمائة فقال قبلت نصفه بها ولأنه إذا فسخ البيع في بعضه وجب أن يفسخه في قدره من ثمنه ولا يجوز فسخ البيع فيه مع بقاء ثمنه كما لا يجوز فسخ البيع في الجميع مع بقاء ثمنه .
وأما قول أهل العراق فإن فيه إجبار الورثة على المعاوضة على غير هذا الوجه الذي عاوض مورثهم وإذا فسخ البيع لم يستحق شيئا لأن الوصية إنما حصلت في ضمن البيع فإذا بطل البيع زالت الوصية كما لو وصى لرجل بعينه أن يحج عنه بمائة وأجر مثله خمسون فطلب الخمسين الفاضلة بدون الحج وإن اشترى عبدا يساوي عشرة بثلاثين فإنه يأخذ نصفه بنصف الثمن وإن باع العبد الذي يساوي ثلاثين بخمسة عشر جاز والبيع في ثلثه بثلثي الثمن وعلى قول القاضي للمشتري خمسة أسداسه بكل الثمن وطريق هذا أن تنسب الثمن وثلث المبيع إلى قيمته فيصح البيع في قدر تلك النسبة وهو خمسة أسداسه وعلى الوجه الأول يسقط الثمن من قيمة المبيع وينسب الثلث إلى الباقي فيصح البيع في قدر تلك النسبة وهو ثلثاه بثلثي الثمن فإن خلف البائع عشرة أخرى فعلى الوجه الأولى يصح البيع في ثمانية أتساعه بثمانية أتساع الثمن وعلى الوجه الثاني يأخذ المشتري نصفه وأربعة أتساعه بجميع الثمن ويرد نصف تسعه وإن باع قفيز حنطة يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة أو بقفيز يساوي خمسة عشر تعين الوجه الذي اخترناه في قول القاضي ومن وافقه لأن المساواة ههنا شرط في صحة البيع ولا تحصل بغير هذا الوجه وطريق حسابها بالجبر فيما إذا باعه بما يساوي ثلث قيمته أن نقول يجوز البيع في شيء من الأرفع بشيء من الأدون وقيمته ثلث شيء فتكون المحاباة بثلثي شيء القهما من الأرفع يبق قفيز إلا ثلثي شيء يعدل مثلي المحاباة وذلك شيء وثلث شيء فإذا جبر به عدل شيئين فالشيء نصف القفيز .
فصل : القسم الثاني : المحاباة في التزويج إذا تزوج في مرضه امرأة صداق مثلها خمسة فأصدقها عشرة لا يملك سواها ثم مات فإن ورثته بطلت المحاباة إلا أن يجيزها سائر الورثة وإن لم ترثه لكونها مخالفة له في الدين أو غير ذلك فلها مهرها وثلث ما حاباها به وإن ماتت قبله فورثها ولم تخلف مالا سوى ما أصدقها دخلها الدور فتصح المحاباة في شيء فيكون له خمسة بالصداق وشيء بالمحاباة ويبقى لورثة الزوج خمسة الأشياء ثم رجع إليهم بالميراث نصف مالها وهو اثنان ونصف ونصف شيء صار لهم سبعة ونصف إلا نصف شيء يعدل شيئين أجبر وقابل يخرج الشيء ثلاثة فكان لها ثمانية رجع إلى ورثة الزوج نصفها أربعة صار لهم ستة ولورثتها أربعة فإن ترك الزوج خمسة أخرى قلت يبقى مع ورثة الزوج اثنا عشر ونصف إلا نصف شيء يعدل شيئين فالشيء خمسة فجازت لها المحاباة جميعها ورجع جميع ما حاباها به إلى ورثة الزوج وبقي لورثتها صداق مثلها وإن كان للمرأة خمسة ولم يكن للزوج شيء قلت يبقى مع ورثة الزوج عشرة إلا نصف شيء يعدل شيئين فالشيء أربعة فيكون لها بالصداق تسعة مع خمسها أربعة عشر رجع إلى ورثة الزوج نصفها مع الدينار الذي بقي لهم صار لهم ثمانية ولورثتها سبعة وإن كان عليها دين ثلاثة قلت يبقى مع ورثة الزوج ستة إلا نصف شيء يعدل شيئين فالشيء ديناران وخمسان والباب في هذا أن النظر ما يبقى في يد ورثة الزوج فخمساه هو الشيء الذي صحت المحاباة فيه وذلك لأنه بعد الجبر يعدل شيئين ونصفا والشيء هو خمسا شيئين ونصف وإن شئت أسقطت خمسة وأخذت نصف ما بقي .
فصل : القسم الثالث : أن يخالعها في مرضها بأكثر من مهرها فمذهب أحمد أن لورثتها أن لا يعطوه أكثر من ميراثه منها يكون له الأقل من العوض أو ميراثه منها وبهذا قال أبو حنيفة إن خالعها بعد دخوله بها وماتت قبل انقضاء عدتها لأنها متهمة في أنها قصدت إيصال أكثر من ميراثه إليه وعند مالك أن زاد على مهر المثل فالزيادة مردودة وعن مالك أن خلع المريضة باطل وقال الشافعي : الزيادة على مهر المثل محاباة تعتبر من الثلث .
وقال أبو حنيفة : إن خالعها قبل دخوله بها أو مات بعد انقضاء عدتها فالعوض من الثلث ومثال ذلك امرأة اختلعت من زوجها بثلاثين لا مال لها سواها وصداق مثلها اثنا عشر فله خمسة عشر سواء قل صداقها أو كثر لأنها قدر ميراثه وعند الشافعي له ثمانية عشر اثنا عشر لأنها قدر صداقها وثلث باقي المال بالمحاباة وهو ستة وإن كان صداقها ستة فله أربعة عشر لأن ثلث الباقي ثمانية مريض تزوج امرأة على مائة لا يملك غيرها ومهر مثلها عشرة ثم مرضت فاختلعت منه بالمائة ولا مال لها سواها فلها مهر مثلها ولها شيء بالمحاباة والباقي له ثم رجع إليه نصف مالها بالمحاباة وهو خمسة ونصف شيء صار مع ورثته خمسة وتسعون إلا نصف شيء يعدل شيئين فبعد الجبر يخرج الشيء ثمانية وثلاثين فقد صح لها بالصداق والمحاباة ثمانية وأربعون وبقي مع ورثته اثنان وخمسون فرجع إليهم بالخلع أربعة وعشرون فصار معهم ستة وسبعون وبقي للمرأة أربعة وعشرون وعند الشافعي يرجع إليهم صداق المثل وثلث شيء بالمحاباة فصار بأيديهم مائة إلا ثلثي شيء يعدل شيئين فالشيء ثلاثة أثمانها وهو سبعة وثلاثون ونصف فصار لها ذلك ومهر المثل رجع إليه مهر المثل وثلث الباقي اثنا عشر ونصف فيصير بأيد ورثته خمسة وسبعون وهو مثلا محاباتها وعند أبي حنيفة يرجع إليهم ثلث العشرة وثلث الشيء فصار معهم ثلاثة وتسعون وثلث إلا ثلثي شيء فالشيء ثلاثة أثمانها وهو خمسة وثلاثون مع العشرة صار لها خمسة وأربعون رجع إلى الزوج ثلثها صار لورثتها ثلاثون ولورثته سبعون هذا إذا ماتت بعد انقضاء عدتها وإن تركت المرأة مائة أخرى فعلى قولنا يبقى مع ورثة الزوج مائة وخمسة وأربعون إلا نصف شيء يعدل شيئين فالشيء خمسا ذلك وهو ثمانية وخمسون وهو الذي صحت المحاباة فيه فلها ذلك وعشرة بالمثل صار لها مائة وثمانية وستون رجع إلى الزوج نصفها أربعة وثمانون وكان الباقي معه اثنان وثلاثون صار له مائة وستة عشر ولورثتها أربعة وثلاثون