فصول : العتق والمحاباة .
فصل : إذا قال المريض : إذا أعتقت سعدا فسعيد حر ثم أعتق سعدا عتق سعيد أيضا إن خرجا من الثلث وإن لم يخرج من الثلث إلا أحدهما عتق سعد وحده ولم يقرع بينهما لوجهين أحدهما : أن سعدا سبق بالعتق والثاني : أن عتقه شرط لعتق سعيد فلو رق بعضه لفات إعتاق سعيد أيضا لفوات شرطه وإن بقي من الثلث ما يعتق به بعض سعيد عتق تمام الثلث منه وإن قال : إن أعتقت سعدا فسعيد وعمرو حران ثم أعتق سعدا ولم يخرج من الثلث إلا أحدهم عتق سعد وحده لما ذكرنا وإن خرج من الثلث اثنان أو واحد وبعض آخر عتق سعد وأقرع بين سعيد وعمرو فيما بقي من الثلث لأن عتقهما في حال واحدة وليس عتق أحدهما شرطا في عتق الآخر ولو خرج من الثلث اثنان وبعض الثالث أقرعنا بينهما لتكميل الحرية في أحدهما وحصول التشقيص في الآخر وإن قال : إن أعتقت سعدا فسعيد حر أو فسعيد وعمرو حران في حال اعتاقي سعدا فالحكم سواء لا يختلف لأن عتق سعد شرط لعتقهما فلو رق بعضه لفات شرط عتقهما فوجب تقديمه وإن كان الشرط في الصحة والإعتاق في المرض فالحكم على ما ذكرنا .
فصل : وإن قال : إن تزوجت فعبدي حر فتزوج في مرضه بأكثر من مهر المثل فالزيادة محاباة معتبرة من الثلث وإن لم تخرج من الثلث إلا المحاباة أو العبد فالمحاباة أولى لأنها وجبت قبل العتق لكون التزويج شرطا في عتقه فقد سبقت عتقه ويحتمل أن يتساويا لأن التزويج سبب لثبوت المحاباة وشرط للعتق فلا يسبق وجود أحدهما صاحبه فيكونان سواء ثم هل يقدم العتق على المحاباة ؟ على روايتين وهذا فيما إذا ثبتت المحاباة بأن لا ترث المرأة الزوج أما لوجود مانع من الإرث أو لمفارقته إياها في حياته إما بموتها أو طلاقها أو نحوه فإما أن ورثته تبينا أنها غير ثابتة لها إلا بإجازة الورثة فينبغي أن يقدم العتق عليها لأنه لازم غير موقوف على الإجازة فيكون متقدما وإن قال : أنت حر في حال تزويجي فتزوج وأصدق أكثر من مهر المثل فعلى القول الأول يتساويان لأن التزويج جعل جعالة لإيقاع العتق كما في عتق سعد وسعيد وبطلان المحاباة لا يبطل التزويج ولا يؤثر فيه وعلى الاحتمال الذي ذكرته يكون العتق سابقا لأن المحاباة إنما ثبتت بتمام التزويج والعتق قبل تمامه فيكون سابقا على المحاباة فيتقدم لهذا المعنى سيما إذا تأكد بقوته وكونه لغير وارث .
فصل : إذا أعتق المريض شقصا من عبد ثم أعتق شقصا من آخر ولم يخرج من الثلث إلا العبد الأول عتق وحده لأنه يعتق حين يلفظ بإعتاق شقصه وإن خرج الأول وبعض الثاني عتق ذلك وإن أعتق الشقصين دفعة واحدة فلم يخرج من الثلث إلا الشقصان عتقا ورق باقي العبدين وإن لم يخرج إلا أحدهما أقرع بينهما وإن خرج عتق الشقصان وباقي أحد العبدين ففيه وجهان أحدهما : يكمل العتق من أحدهما بالقرعة بينهما كما لو أعتق العبدين فلم يخرج من الثلث إلا أحدهما والثاني : يقسم ما بقي من الثلث بينهما بغير قرعة لأنه أوقع عتقا مشقصا فلم يكمله بخلاف ما إذا أعتق العبدين ولهذا إذا لم يخرج من الثلث إلا الشقصان أعتقناهما ولم يقرع بينهما ولم يكمله من أحدهما ولو أوصى بإعتاق النصيبين وأن يكمل عتقهما من ثلثه ولم يخرج من الثلث إلا النصيبان وقيمة باقي أحدهما أقرعنا بينهما فمن خرجت قرعته كمل العتق فيه لأن الموصي أوصى بتكميل العتق فجرى مجرى إعتاقهما بخلاف التي قبلها .
فصل : وإذا ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض كالهبة والميراث عتق وورث المريض إذا مات وبهذا قال مالك وأكثر أصحاب الشافعي وقال بعضهم يعتق ولا يرث لأن عتقه وصية فلا يجتمع مع الميراث وهذا لا يصح لأنه لو كان وصية لاعتبر من الثلث كما لو اشتراه وجعل أهل العراق عتق المرهون وصية يعتبر خروجه من الثلث فإن خرج من الثلث عتق وورث وإن لم يخرج من الثلث يسعى في قيمة باقيه ولم يرث في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف و محمد يحتسب بقيمته من ميراثه فإن فضل من قيمته شيء سعى فيه .
ولنا أن الوصية هي التبرع بماله بعطية أو إتلاف أو التسبب إلى ذلك ولم يوجد واحد منهما لأن العتق ليس من فعله ولا يقف على اختياره وقبول الهبة ليس بعطية ولا إتلاف لماله وإنما هو تحصيل شيء يتلف بتحصيله فأشبه قبوله لشيء لا يمكنه حفظه أو لما يتلف ببقائه في وقت لا يمكنه التصرف فيه وفارق الشراء فإنه تضييع لماله في ثمنه وقال القاضي هذا الذي ذكرناه قياس قول أحمد لأنه قال في مواضع إذا وقف في مرضه على ورثته صح ولم يكن وصية لأن الوقف ليس بمال لأنه لا يباع ولا يورث قال الخبري هذا قول أحمد و ابن الماجشون وأهل البصرة ولم يذكر فيه عن أحمد خلافا فأما إن اشترى من يعتق عليه فقال القاضي إن حمله الثلث عتق وورثه وهذا قول مالك و أبي حنيفة وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث ويرث بقدر ما فيه من الحرية وباقيه على الرق فإن كان الوارث ممن يعتق عليه إذا ملكه عتق عليه إذا ورثه وقال أبو يوسف و محمد لا وصية لوارث ويحتسب بقيمته من ميراثه فإن فضل من قيمته شيء سعى فيه وقال بعض أصحاب مالك يعتق من رأس المال ويرث كالموهوب والموروث وهو قياس قوله لكونه لم يجعل الوقف وصية وإجازة للوارث فهذا أولى لأن العبد لا يملك رقبته فيجعل ذلك وصية له ولا يجوز أن يجعل الثمن وصية له لأنه لم يصل إليه ولا وصية للبائع لأنه قد عاوض عنه وإنما هو كبناء مسجد وقنطرة في أنه ليس بوصية لمن ينتفع به فلا يمنعه ذلك لميراث واختلف أصحاب الشافعي في قياس قوله فقال بعضهم إذا حمله الثلث عتق وورث لأن عتقه ليس بوصية له على ما ذكرنا وقيل يعتق ولا يرث لأنه لو ورث لصارت وصية لوارث فتبطل وصيته ويبطل عتقه وإرثه فيفضي توريثه إلى إبطال توريثه فكان إبطال توريثه أولى وقيل على مذهبه شراؤه باطل لأن ثمنه وصية والوصية تقف على خروجها من الثلث أو إجازة الورثة والبيع عنده لا يجوز أن يكون موقوفا ومن مسائل ذلك مريض وهب له ابنه فقبله وقيمته مائة وخلف مائتي درهم وابنا آخر فإنه يعتق وله مائة ولأخيه مائة وهذا قول مالك و أبو حنيفة و الشافعي وقيل على قول الشافعي لا يرث والمائتان كلها للابن الحر وقال أبو يوسف و محمد يرث نصف نفسه ونصف المائتين ويحتسب بقيمة نصف الباقي من ميراثه وإن كان قيمته مائتين وبقية التركة مائة عتق من رأس المال والمائة بينه وبين أخيه وبهذا قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة يعتق منه نصفه لأنه قدر ثلث التركة ويسعى في قيمة باقيه ولا يرث لأن المستسعى عنده كالعبد لا يرث إلا في أربعة مواضع الرجل : يعتق أمته على أن تتزوجه والمرأة : تعتق عبدها على أن يتزوجها فيأبيان ذلك والعبد المرهون يعتقه سيده والمشتري للعبد يعتقه قبل قبضه وهما معسران ففي هذه المواضع يسعى كل واحد في قيمته وهو حر يرث وقال أبو يوسف و محمد يرث نصف التركة وذلك ثلاثة أرباع رقبته ويسعى في ربع قيمته لأخيه وإن وهب له ثلاث أخوات متفرقات لا مال له سواهن ولا وارث عتقن من رأس المال وهذا قول مالك وإن كان اشتراهن فكذلك فيما ذكره الخبري عن أحمد وهو قول ابن الماجشون وأهل البصرة وبعض أصحاب مالك وعلى قول القاضي يعتق ثلثهن في أحد الوجهين وهو قول مالك وفي الآخر يعتقن كلهن لكون وصية من لا وارث له جائزة في جميع ماله في أصح الروايتين وإن ترك مالا يخرجن من ثلثه عتقن وورثن وقال أبو حنيفة إذا اشتراهن أو وهبن له ولا مال له سواهن ولا وارث عتقن وتسعى كل واحد من الأخت للأب والأخت للأم في نصف قيمتها للأخت من الأب والأم وإنما لم يرثا لأنهما لو ورثا لكان لهما خمسا الرقاب وذلك رقبة وخمس بينهما نصفين فكان يبقى عليهما سعاية وإذا بقيت عليهما سعاية لم يرثا وكانت لهما الوصية وهي رقبة بينهما نصفين وأما الأخت للأبوين فإذا ورثت عتقت لأن لها ثلاثة أخماس الرقاب وذلك أكثر من قيمتها فورثت وبطلت وصيتها وقال أبو يوسف و محمد تبعض وتسعى كل واحدة من الأخت للأب والأخت من الأم للأخت من الأبوين في خمسي قيمتها لأن كل واحدة ترث ثلاثة أخماس رقبة وعلى قول الشافعي يعتقن