فصلان : ولا تجب الوصية إلا على من عليه دين أو وديعة وتستحب الوصية بجزء من المال .
فصل : ولا تجب الوصية إلا على من عليه دين أو عنده وديعة أو عليه واجب يوصي بالخروج منه فإن الله تعالى فرض أداء الأمانات وطريقه في هذا الباب الوصية فتكون مفروضة عليه فأما الوصية بجزء من ماله فليست بواجبة على أحد في قول الجمهور وبذلك قال الشعبي و النخعي و الثوري و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم وقال ابن عبد البر : أجمعوا على أن الوصية غير واجبة إلا على من عليه حقوق بغير بينة وأمانة بغير إشهاد إلا طائفة شذت فأوجبتها روي عن الزهري أنه قال : جعل الله الوصية حقا مما قل أو كثر وقيل لأبي مجلز على كل ميت وصية ؟ قال : إن ترك خيرا وقال أبو بكر عبد العزيز : هي واجبة للأقربين الذين لا يرثون وهو قول داود وحكي ذلك عن مسروق و طاوس وإياس و قتادة و ابن جرير واحتجوا بالآية وخبر ابن عمر وقالوا نسخت الوصية للوالدين والأقربين الوارثين وبقيت فيمن لا يرث من الأقربين .
ولنا أن أكثر أصحاب رسول الله A لم ينقل عنهم وصية ولم ينقل لذلك نكير ولو كانت واجبة لم يخلوا بذلك ولنقل عنهم نقلا ظاهرا ولأنها عطية لا تجب في الحياة فلا تجب بعد الموت كعطية الأجانب فأما الآية فقال ابن عباس نسخها قوله سبحانه : { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } وقال : ابن عمر : نسختها آية الميراث وبه قال عكرمة و مجاهد و مالك و الشافعي وذهب طائفة ممن يرى نسخ القرآن بالسنة إلى أنها نسخت بقول النبي A [ إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ] وحديث ابن عمر محمول على من عليه واجب أو عنده وديعة .
فصل : وتستحب الوصية بجزء من المال لمن ترك خيرا لأن الله تعالى قال : { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية } فنسخ الوجوب وبقي الاستحباب في حق من لا يرث وقد روي عن ابن عمر قال : قال رسول الله A [ يا ابن آدم جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك لأطهرك وأزكيك ] وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله A [ إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم ] رواهما ابن ماجة وقال الشعبي من أوصى بوصية فلم يجر ولم يحف كان له من الأجر مثل ما لو أعطاها وهو صحيح وأما الفقير الذي له ورثة محتاجون فلا يستحب له أن يوصي لأن الله قال في الوصية : { إن ترك خيرا } و [ قال النبي A لسعد : إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ] وقال [ ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ] وقال علي Bه لرجل أراد أن يوصي : إنك لن تدع طائلا إنما تركت شيئا يسيرا فدعه لورثتك وعنه أربعمائة دينار ليس فيها فضل عن الورثة وروي عن عائشة Bها [ أن رجلا قال لها : لي ثلاثة آلاف درهم وأربعة أولاد أفأوصي ؟ فقالت اجعل الثلاثة للأربعة ] وعن ابن عباس قال من ترك سبعمائة درهم ليس عليه وصية وقال عروة دخل علي على صديق له يعوده فقال الرجل إني أريد أن أوصي فقال له إن الله تعالى يقول : { إن ترك خيرا } وإنك إنما تدع شيئا يسيرا فدعه لورثتك واختلف أهل العلم في القدر الذي لا تستحب له لمالكه فروي عن أحمد إذا ترك دون الألف لا تستحب الوصية وعن علي أربعمائة دينار وقال ابن عباس : إذا ترك الميت سبعمائة درهم فلا يوصي وقال : من ترك ستين دينارا ما ترك خيرا وقال طاوس الخير ثمانون دينارا وقال النخعي ألف وخمسمائة وقال أبو حنيفة : القليل أن يصيب أقل الورثة سهما خمسون درهما والذي يقوى عندي أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة فلا تستحب الوصية لأن النبي A علل المنع من الوصية بقوله [ إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة ] ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبي فمتى لم يبلغ الميراث غناهم كان تركه لهم كعطيتهم إياه فيكون ذلك أفضل من الوصية به لغيرهم فعند هذا يختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم وقلتهم وغناهم وحاجتهم فلا يتقيد بقدر من المال والله أعلم وقد قال الشعبي : ما من مال أعظم أجرا من مال يتركه الرجل لولده يغنيهم به عن الناس