فصول : ليس للعبد التقاط اللقيط وحكم إذا كان اللاقط اثنان أو ادعى كل منهما .
فصل : وليس للعبد التقاط الطفل المنبوذ إذا وجد من يلتقطه سواه لأن منافعه لسيده فلا يذهبها في غير نفعه إلا بإذنه ولأنه لا يثبت على اللقيط إلا الولاية ولا ولاية لعبد فإن التقطه لم يقر في يديه إلا أن يأذن له السيد فإن أذن له أقر في يديه لأنه استعان به في ذلك فصار كما لو التقطه بيده وسلمه إليه قال ابن عقيل إن أذن له السيد لم يكن له الرجوع بعد ذلك وصار كما لو التقطه والحكم في الأمة كالحكم في المكاتب فأما إن لم يجد أحدا يلتقطه سواه وجب التقاطه لأنه تخليص له من الهلاك فأشبه تخليصه من الغرق والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة كالقن وكذلك المكاتب لأنه ليس له التبرع بماله ولا بمنافعه إلا أن يأذن له سيده في ذلك .
فصل : وليس لكافر التقاط مسلم لأنه لا ولاية لكافر على مسلم ولأنه لا يؤمن أن يفتنه ويعلمه الكفر بل الظاهر أنه يربيه على دينه وينشأ على ذلك كولده فإن التقطه لم يقر في يده وإن كان الطفل محكوما بكفره فله التقاطه لأن الذين كفروا بعضهم أولياء بعض .
فصل : وإن التقطه اثنان وتناولاه تناولا واحدا لم يخل من ثلاثة أقسام أحدها : أن يكون ممن يقر في يديه كالمسلم العدل الحر والآخر ممن لا يقر في يديه كالكافر إذا كان اللقيط مسلما والفاسق والعبد إذا لم يأذن له سيده والمكاتب فإنه يسلم إلى من يقر في يده وتكون مشاركة هؤلاء كعدمها لأنه لو التقطه وحده لم يقر في يده فإذا شاركه من هو من أهل الالتقاط أولى الثاني : أن يكونا جميعا مما لا يقر في يدي واحد منهما فإنه ينزع منهما ويسلم إلى غيرهما الثالث : أن يكون كل واحد منهما ممن يقر في يده لو انفرد إلا أن أحدهما أحظ للقيط من الآخر مثل أن يكون أحدهما موسرا والآخر معسرا فالموسر أحق لأن ذلك أحظ للطفل وإن التقط مسلم وكافر طفلا محكوما بكفره فالمسلم أحق وعن أصحابنا وأصحاب الشافعي هما سواء لأن للكافر ولاية على الكافر ويقر في يده إذا انفرد بالتقاطه فساوى المسلم في ذلك .
ولنا أن دفعه إلى المسلم أحظ له لأنه يصير مسلما فيسعد في الدنيا والآخرة وينجو من النار ويتخلص من الجزية والصغار فالترجيح بهذا أولى من الترجيح باليسار الذي إنما يتعلق به توسعة عليه في الإنفاق وقد يكون الموسر بخيلا فلا تحصل التوسعة فإن تعارض الترجيحان فكان المسلم فقيرا والكافر موسرا فالمسلم أولى لأن النفع الحاصل له بإسلامه أعظم من النفع الحاصل بيساره مع كفره وعلى قياس قولهم في تقديم الموسر ينبغي أن يقدم الجواد على البخيل لأن حظ الطفل عنده أكثر من الجهة التي يحصل له الحظ فيها باليسار وربما تخلق بأخلاقه وتعلم من جوده الرابع : أن يتساويا في كونهما مسلمين عدلين حرين مقيمين فهما سواء فيه فإن رضي أحدهما بإسقاط حقه وتسليمه إلى صاحبه جاز لأن الحق له فلا يمنع من الإيثار به وإن تشاحا أقرع بينهما لقول الله تعالى { وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم } ولأنه لا يمكن كونه عندهما لأنه لا يمكن أن يكون عندهما في حالة واحدة وإن تهايآه فجعل عند كل واحد يوما أو أكثر من ذلك أضر بالطفل لأنه تختلف عليه الأغذية والأنس والألف ولا يمكن دفعه إلى أحدهما دون الآخر بغير قرعة لأن حقهما متساو فتعين أحدهما بالتحكم لا يجوز فتعين الإقراع بينهما كما يقرع بين الشركاء في تعيين السهام في القسمة وبين النساء في البداية بالقسمة وبين العبيد في الإعتاق والرجل والمرأة سواء ولا ترجح المرأة ههنا كما ترجح في حضانة ولدها على أبيه لأنها رجحت ثم لشفقتها على ولدها وتوليها لحضانته بنفسها والأب يحضنه بأجنبية فكانت أمه أحظ له وأرفق به أما ههنا فإنها أجنبية من اللقيط والرجل يحضنه بأجنبية فاستويا ومذهب الشافعي في هذا الفصل جميعه على ما ذكرنا فإن كان أحدهما مستور الحال والآخر ظاهر العدالة احتمل أن يرجح العدل لأن المانع من الالتقاط منتف في حقه بغير شك والآخر مشكوك فيه فيكون الحظ للطفل في تسليمه إليه أتم ويحتمل أن يتساويا لأن احتمال وجود المانع لا يؤثر في المنع فلا يؤثر في الترجيح .
فصل : وإن رأياه جميعا فسبق أحدهما فأخذه أو وضع يده عليه فهو أحق به لقوله عليه السلام [ من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به ] وإن رآه أحدهما قبل صاحبه فسبق إلى أخذه الآخر فالسابق إلى أخذه أحق لأن الالتقاط هو الأخذ لا الرؤية ولو قال أحدهما لصاحبه ناولنيه فأخذه الآخر نظرنا إلى نيته فإن نوى أخذه لنفسه فهو أحق كما لو لم يأمره الآخر بمناولته إياه وإن نوى مناولته فهو للآمر لأنه فعل ذلك بنية النيابة عنه فأشبه ما لو توكل له في تحصيل مباح .
فصل : فإن اختلفا فقال كل واحد منهما أنا التقطته ولا بينة لأحدهما وكان في يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه أنه التقطه ذكر ذلك أبو الخطاب وهذا قول الشافعي وقال القاضي : قياس المذهب أنه لا يحلف كما في الطلاق والنكاح .
ولنا قول النبي A : [ لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه ] رواه مسلم فإن كان في يديهما أقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وسلم إليه وعلى قول القاضي لا تشرع اليمين ههنا ويسلم إليه بمجرد وقوع القرعة له وإن لم يكن في يد واحد منهما فقال القاضي و أبو الخطاب يسلمه الحاكم إلى من يرى منهما أو من غيرهما لأنه لا حق لهما والأولى أن يقرع بينهما كما لو كان في أيديهما لأنهما تنازعا حقا في يد غيرهما فأشبه ما لو تنازعا وديعة عند غيرهما فإن وصفه أحدهما مثل أن يقول في ظهره شامة أو بجسده علامة وذكر شيئا في جسده مستورا فقال أبو الخطاب يقدم بالصفة وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي : لا يقدم بالصفة كما لو وصف المدعي المدعى فإنه لا تقدم به دعواه .
ولنا أن هذا نوع من اللقطة فقدم بوصفها كلقطة المال ولأن ذلك يدل على قوة يده فكان مقدما بها وقياس اللقيط على اللقطة أولى من قياسه على غيرها لأن اللقيط لقطة أيضا وإن كان لأحدهما بينة قدم بها وإن كان لكل واحد منهما بينة قدم أسبقهما تاريخا لأن الثاني إنما أخذ ممن قد ثبت الحق فيه لغيره وإن استوى تاريخهما أو أطلقتا معا أو أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى فقد تعارضتا وهل يسقطان أو يستعملان ؟ فيه وجهان أحدهما : يسقطان فيصيران كمن لا بينة لهما والثاني : يستعملان ويقرع بينهما فمن قرع صاحبه كان أولى وسنذكر ذلك في بابه إن شاء الله تعالى وإن كان اللقيط في يد أحدهما فهل تقدم بينته على بينة الآخر أو تقدم بينة الخارج ؟ فيه وجهان مبنيان على الروايتين في دعوى المال وإن كان أحد المتداعيين ممن لا تقر يده على اللقيط أقر في يد الآخر ولم يلتفت إلى دعوى من لا يقر في يده بحال