فصلان : جناية اللقيط وإقامة الحد عليه .
فصل : إذا جنى اللقيط جناية تحملها العاقلة فالعقل على بيت المال لأن ميراثه له ونفقته عليه وإن جنى جناية لا تحملها العاقلة فحكمه فيها غير حكم اللقيط إن كانت توجب القصاص وهو بالغ عاقل اقتص منه وإن كانت موجبة للمال وله مال استوفى منه وإلا كان في ذمته حتى يوسر وإن جني عليه في النفس جناية توجب الدية فهي لبيت المال لأنه وارثه وإن كان عمدا محضا فالإمام مخير بين استيفاء القصاص إن رآه احظ للملاقيط والعفو على مال وبهذا قال الشافعي و ابن المنذر و أبو حنيفة إلا أن يخيره بين القصاص والمصالحة وذلك لقول النبي A فالسلطان ولي من لا ولي له وإن جني عليه فيما دون النفس جناية توجب الارش قبل بلوغه فلوليه أخذ الارش وإن كانت عمدا موجبة للقصاص وللقيط مال يكفيه وقف الأمر على بلوغه ليقتص أو يعفو سواء كان عاقلا أو معتوها وإن لم يكن له مال وكان عاقلا انتظر بلوغه أيضا وإن كان معتوها فللولي العفو على مال يأخذه له لأن المعتوه ليست له حال معلومة منتظرة فإن ذلك قد يدوم به والعاقل له حال منتظرة فافترقا وفي الحال التي ينتظر بلوغه فإن الجاني يحبس حتى يبلغ اللقيط فيستوفي لنفسه وهذا مذهب الشافعي وقد روي عن أحمد رواية أخرى أن للإمام استيفاء القصاص له وهو مذهب أبي حنيفة لأنه أحد نوعي القصاص فكان للإمام استيفاؤه عن اللقيط كالقصاص في النفس .
ولنا أنه قصاص لم يتحتم استيفاؤه فوقف على قوله كما لو كان بالغا غائبا وفارق القصاص في النفس فإن القصاص ليس هو له إنما هو لوارثه والإمام المتولي له .
فصل : وإن قذف اللقيط بعد بلوغه محصنا حد ثمانين لأنه حر وإن قذفه قاذف وهو محصن فعليه الحد لأنه محكوم بحريته فإن ادعى القاذف أنه عبد فصدقه اللقيط سقط الحر لإقرار المستحق بسقوط الحد ويجب التعزير لقذفه من ليس بمحصن وإن كذبه اللقيط وقال إني حر فالقول قوله لأنه محكوم بحريته فقوله موافق للظاهر ولذلك أوجبنا عليه حد الحر إذا كان قاذفا وأوجبنا له القصاص وإن كان الجاني حرا ويحتمل أن يكون القول قول القاذف لأنه يحتمل صحة ما قاله بأن يكون ابن أمة فيكون ذلك شبهة والحد يندرئ بالشبهات وفارق القصاص له إذا ادعى الجاني عليه أنه عبد لأن القصاص ليس بحد وإنما وجب حقا لآدمي ولذلك جازت المصالحة عنه وأخذ بدله بخلاف حد القذف ويتخرج من هذا أن اللقيط إذا كان قاذفا فادعى أنه عبد ليجب عليه حد العبد قبل منه لذلك والأول أصح لأن كل من كان محكوما بحريته لا يسقط الحد عن قاذفه باحتمال رقه بدليل مجهول النسب ولو سقط الحد لهذا الاحتمال لسقط وإن لم يدع القاذف رقه لأنه موجود وإن لم يدعه