مسألة وفصلان : تملك اللقطة بعد مضي الحول .
مسألة : قال : فإن جاء ربها وإلا كانت كسائر ماله : .
وجملته أنه إذا عرف اللقطة حولا فلم تعرف ملكها ملتقطها وصارت من ماله كسائر أمواله غنيا كان الملتقط أو فقيرا وروي نحو ذلك عن عمر وابن مسعود وعائشة Bهم وبه قال عطاء و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وروي ذلك عن علي وابن عباس و الشعبي و النخعي و طاوس و عكرمة وقال مالك و الحسن بن صالح و الثوري وأصحاب الرأي : يتصدق بها فإذا جاء صاحبها خيره بين الأجر والغرم لما روى أبو هريرة Bه [ عن النبي A أنه سئل عن اللقطة فقال : عرفها حولا ] وروي ثلاثة أحوال فإن جاء ربها وإلا تصدق بها فإذا جاء ربها فرضي بالأجر وإلا غرمها ولأنها مال لمعصوم لم يرض بزوال ملكه عنها ولا وجد منه بسبب يقتضي ذلك فلم يزل ملكه عنه كغيرها قالوا : وليس له أن يتملكها إلا أن أبا حنيفة قال : له ذلك إن كان فقيرا من غير ذوي القربى لما روى عياض بن حمار المجاشعي أن النبي A قال : [ من وجد لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب فإن وجد صاحبها فليرددها عليه وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء ] رواه النسائي قالوا : وما يضاف إلى الله تعالى إنما يتملكه من يستحق الصدقة ونقل حنبل عن أحمد مثل هذا القول وأنكره الخلال وقال : ليس هذا مذهبا ل أحمد .
ولنا قول النبي A في حديث زيد بن خالد فإن لم تعرف فاستنفقها وفي لفظ وإلا فهي كسبيل مالك وفي لفظ ثم كلها وفي لفظ فانتفع بها وفي لفظ فشأنك بها وفي حديث أبي بن كعب فاستنفقها وفي لفظ فاستمتع بها وهو حديث صحيح ولأن من ملك بالقرض ملك باللقطة كالفقير ومن جاز له الالتقاط ملك به بعد التعريف كالفقير وحديثهم عن أبي هريرة لم يثبت ولا نقل في كتاب يوثق به ودعواهم في حديث عياض أن ما يضاف إلى الله لا يتملكه إلا من يستحق الصدقة لا برهان لها ولا دليل عليها وبطلانها ظاهر فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله تعالى خلقا وملكا قال الله تعالى : { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } .
فصل : وتدخل اللقطة في ملكه عند تمام التعريف حكما كالميراث هذا ظاهر كلام الخرقي لقوله : وإلا كانت كسائر ماله وكذلك قال أحمد في رواية الجماعة : إذا جاء صاحبها وإلا كانت كسائر ماله واختار أبو الخطاب أنها لا تدخل في ملكه حتى يختار واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال : كقولنا ومنهم من قال : يملكها بالنية ومنهم من قال : يملكها بقوله اخترت تملكها ومنهم من قال : لا يملكها إلا بقوله والتصرف فيها لأن هذا تمليك بعوض فلم يحصل إلا باختيار التملك كالشراء .
ولنا قول النبي A : [ فإذا جاء صاحبها وإلا فهي كسبيل مالك ] وقوله فاستنفقها ولو وقف ملكها على تملكها لبينه له ولم يجوز له التصرف قبله وفي لفظ فهي لك وفي لفظ كلها وهذه الألفاظ كلها تدل على ما قلنا ولأن الالتقاط والتعريف سبب للتمليك فإذا تم وجب إن يثبت به الملك حكما كالاحياء والاصطياد ولأنه سبب يملك به فلم يقف الملك بعده على قوله ولا اختياره كسائر الأسباب وذلك لأن المكلف ليس إليه إلا مباشرة الأسباب فإذا أتى بها ثبت الحكم قهرا وجبرا من الله تعالى غير موقوف على اختيار المكلف وأما الاقتراض فهو السبب في نفسه فلم يثبت الملك بدونه .
فصل : فإن التقطها اثنان فعرفاها حولا ملكاها جميعا وإن قلنا بوقوف الملك على الاختيار فاختار أحدهما دون الآخر ملك المختار نصفها دون الآخر وإن رأياها معا فبادر أحدهما فأخذها أو رآها أحدهما فأعلم بها صاحبه فأخذها فهي لآخذها لأن استحقاق اللقطة بالأخذ لا بالرؤية كالاصطياد وإن قال أحدهما لصاحبه هاتها فأخذها نظرت في نيته فإن أخذها لنفسه فهي له دون الآمر وإن أخذها للآمر فهي له كما لو وكله في الاصطياد له