مسألة وفصول : ومن وجد لقط عرفها شروط التعريف وزمانه وقدره .
مسألة : قال : ومن وجد لقطة عرفها سنة في الأسواق وأبواب المساجد : .
وجملته أن في التعريف ستة فصول في وجوبه وقدره وزمانه ومكانه وكيفيته ومن يتولاه .
الفصل الأول : في وجوه التعريف : أما وجوبه فإنه واجب على كل ملتقط سواء أراد تملكها أو حفظها لصاحبها وقال الشافعي لا تجب على من أراد حفظها لصاحبها .
ولنا أن النبي A أمر به زيد بن خالد وأبي بن كعب ولم يفرق ولأن حفظها لصاحبها إنما يقيد باتصالها إليه وطريقه التعريف أما بقاؤها في يد الملتقط من غير وصولها إلى صاحبها فهو وهلاكها سيان ولأن إمساكها من غير تعريف تضييع لها عن صاحبها فلم يجز كردها إلى موضعها أو إلقائها في غيره ولأنه لو لم يجب التعريف لما جاز الالتقاط لأن بقاءها في مكانها إذا أقرب إلى وصولها إلى صاحبها إما بأن يطلبها في الموضع الذي ضاعت فيه فيجدها وإما بأن يجدها من يعرفها وأخذه لها يفوت الأمرين فيحرم فلما جاز الالتقاط وجب التعريف كيلا يحصل هذا الضرر ولأن التعريف واجب على من أراد تملكها فكذلك على من أراد حفظها فإن التمليك غير واجب فلا تجب الوسيلة إليه فيلزم أن يكون الوجوب في المحل المتفق عليه لصيانتها عن الضياع عن صاحبها وهذا موجود في محل النزاع .
الفصل الثاني : في قدر التعريف وذلك سنة روي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وبه قال ابن المسيب و الشعبي و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وروي عن عمر رواية أخرى أنه يعرفها ثلاثة أشهر وعنه ثلاثة أعوام لأن أبي بن كعب روى أن رسول الله A أمره بتعريف مائة الدينار ثلاثة أعوام وقال أبو أيوب الهاشمي ما دون الخمسين درهما يعرفها ثلاثة أيام إلى سبعة أيام وقال الحسن بن صالح ما دون عشرة دراهم يعرفها ثلاثة أيام وقال الثوري في الدرهم يعرفه أربعة أيام وقال إسحاق ما دون الدينار يعرفه جمعة أو نحوها وروى أبو إسحاق الجوزجاني بإسناده عن يعلى بن أمية قال : قال رسول الله A : [ من التقط درهما أو حبلا أو شبه ذلك فليعرفه ثلاثة أيام فإن كان فوق ذلك فليعرفه سبعة أيام ] .
ولنا حديث زيد بن خالد الصحيح فإن النبي A أمره بعام واحد ولأن السنة لا تتأخر عنها القوافل ويمضي فيها الزمان الذي تقصد فيه البلاد من الحر والبرد والاعتدال فصلحت قدرا كمدة أجل العين وأما حديث أبي فقد قال الراوي لا أدري ثلاثة أعوام أو عام واحد قال أبو داود شك الراوي في ذلك وحديث يعلى لم يقل به قائل على وجهه وحديث زيد وأبي أصح منه وأولى إذا ثبت هذا فإنه يجب أن تكون هذه السنة تلي الالتقاط وتكون متوالية في نفسها لأن النبي A أمر بتعريفها حين سئل عنها والأمر يقتضي الفور ولأن القصد بالتعريف وصول الخبر إلى صاحبها وذلك يحصل بالتعريف عقيب ضياعها متواليا لأن صاحبها في الغالب إنما يتوقعها ويطلبها عقيب ضياعها فيجب تخصيص التعريف به .
الفصل الثالث : في زمانه وهو النهار دون الليل لأن النهار مجمع الناس وملتقاهم دون الليل ويكون ذلك في اليوم الذي وجدها والأسبوع أكثر لأن الطلب فيه أكثر ولا يجب فيما بعد ذلك متواليا وقد روى الجوزجاني بإسناده عن معاوية بن عبد الله عن زيد الجهني قال نزلنا مناخ ركب فوجدت خرقة فيها قريب من مائة دينار فجئت بها إلى عمر فقال عرفها ثلاثة أيام على باب المسجد ثم أمسكها حتى قرن السنة ولا يقدمن ركب إلا نشدتها وقلت الذهب بطريق الشام تم شأنك بها .
الفصل الرابع : في مكانه وهو الأسواق وأبواب المساجد والجوامع في الوقت الذي يجتمعون فيه كأدبار الصلوات في المساجد وكذلك في مجامع الناس لأن المقصود إشاعة ذكرها وإظهارها ليظهر عليها صاحبها فيجب تحري مجامع الناس ولا ينشدها في المسجد لأن المسجد لم يبن لهذا وقد روى أبو هريرة عن النبي A أنه قال [ من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد : فليقل لا ردها الله إليك فإن المساجد لم تبن لهذا ] وأمر عمر واجد اللقطة بتعريفها على باب المسجد .
الفصل الخامس : فيمن يتولاه : وللملتقط أن يتولى ذلك بنفسه وله أن يستنيب فيه فإن وجد متبرعا بذلك وإلا إن احتاج إلى أجر فهو على الملتقط وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي واختار أبو الخطاب أنه إن قصد الحفظ لصاحبها دون تملكها رجع بالأجر على مالكها وكذلك قال ابن عقيل فيما لا يملك بالتعريف لأنه من مؤنة إيصالها إلى صاحبها فكان على مالكها كأجر مخزنها ورعيها وتجفيفها .
ولنا أن هذا أجر واجب على المعرف فكان عليه كما لو قصد تملكها ولأنه لو وليه بنفسه لم يكن له أجر على صاحبها فكذلك إذا استأجر عليه لا يلزم صاحبها شيء ولأنه سبب لملكها فكان على الملتقط كما لو قصد تملكها وقال مالك إن أعطى منها شيئا لمن عرفها فلا غرم عليه كما لو دفع منها شيئا لمن جففها وقد ذكرنا الدليل على ذلك .
الفصل السادس : في كيفية التعريف وهو أن يذكر جنسها لا غير فيقول : من ضاع منه ذهب أو فضة أو دنانير أو ثياب ونحو ذلك لقول عمر Bه لواجد الذهب بطريق الشام : ولا تصفها لأنه لو وصفها لعلم صفتها من يسمعها فلا تبقى صفتها دليلا على ملكها لمشاركة غير المالك المالك في ذلك ولأنه لا يأمن أن يدعيها بعض من سمع صفتها ويذكر صفتها التي يجب دفعها بها فيأخذها وهو لا يملكها فتضيع على مالكها