فصول : أحكام هبة المجهول وتعليق الهبة بشرط وهبة الدين .
فصل : قال أحمد في رواية أبي داود وحرب لا تصح هبة المجهول وقال في رواية حرب إذا قال شاة من غنمي يعني وهبتها لك لم يجز وبه قال الشافعي ويحتمل أن الجهل إذا كان في حق الواهب منع الصحة لأنه غرر في حقه وإن كان من الموهوب له لم يمنعها لأنه لا غرر في حقه فلم يعتبر في حقه العلم بما يوهب له كالموصى له وقال مالك تصح هبة المجهول لأنه تبرع فصح في المجهول كالنذر والوصية ووجه الأول أنه عقد تمليك لا يصح تعليقه بالشروط فلم يصح في المجهول كالبيع بخلاف النذر والوصية .
فصل : ولا يصح تعليق الهبة بشرط لأنها تمليك لمعين في الحياة فلم يجز تعليقها على شرط كالبيع فإن علقها على شرط ك [ قول النبي A لأم سلمة إن رجعت هديتنا إلى النجاشي فهي لك ] كان وعدا وإن شرط في الهبة شروطا تنافي مقتضاها نحو أن يقول وهبتك هذا بشرط أن لا تهبه أو لا تبيعه أو بشرط أن تهبه أو تبيعه أو بشرط أن تهب فلانا شيئا لم يصح الشرط وفي صحة الهبة وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع وإن وقت الهبة فقال وهبتك هذا سنة ثم يعود إلي لم يصح لأنه عقد تمليك لعين فلم يصح مؤقتا كالبيع .
فصل : وإن وهب أمة واستثنى ما في بطنها صح في قياس قول أحمد فيمن أعتق أمة واستثنى ما في بطنها لأنه تبرع بالأم دون ما في بطنها فأشبه العتق وبه يقول في العتق النخعي و إسحاق و أبو ثور وقال أصحاب الرأي : تصح الهبة ويبطل الاستثناء ولنا أنه لم يهب الولد فلم يملك الموهوب له كالمنفصل وكالموصى به .
فصل : وإذا كان له في ذمة إنسان دين فوهبه له أو أبرأه منه أو أحله منه صح وبرئت ذمة الغريم منه وإن رد ذلك فلم يقبله لأنه إسقاط فلم يفتقر إلى القبول كإسقاط القصاص والشفعة وحد القذف وكالعتق والطلاق وإن قال تصدقت به عليك صح فإن القرآن ورد في الإبراء بلفظ الصدقة بقول الله تعالى { ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا } وإن قال عفوت لك عنه صح لأن الله تعالى قال { إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } يعني به الإبراء من الصداق وإن قال أسقطته عنك صح لأنه أتى بحقيقة اللفظ الموضوع له وإن قال ملكتك إياه صح لأنه بمنزلة هبته إياه .
فصل : فإن وهب الدين لغير من هو في ذمته أو باعه إياه لم يصح وبه قال في البيع أبو حنيفة و الثوري و إسحاق قال أحمد إذا كان لك على رجل طعام قرضا فبعه من الذي هو عليه بنقد ولا تبعه من غيره نقد ولا نسيئة وإذا أقرضت رجلا دراهم أو دنانير فلا تأخذ من غيره عرضا بما لك عليه وقال الشافعي : إن كان الدين على معسر أو مماطل أو جاحد له لم يصح البيع لأنه معجوز عن تسليمه وإن كان على مليء باذل له ففيه قولان أحدهما : يصح لأنه ابتاع بمال ثابت في الذمة فصح كما لو اشترى في ذمته ويشترط أن يشتريه بعين أو يتقايضان في المجلس لئلا يكون بيع دين بدين .
ولنا أنه غير قادر على تسليمه فلم يصح كبيع الآبق فأما هبته فيحتمل أن لا تصح كالبيع ويحتمل أن تصح لأنه لا غرر فيها على المتهب ولا الواهب فصح كهبة الأعيان .
فصل : تصح البراءة من المجهول إذا لم يكن لهما سبيل إلى معرفته وقال أبو حنيفة : تصح مطلقا وقال الشافعي لا تصح إلا أنه إذا أراد ذلك قال أبرأتك من درهم إلى ألف لأن الجهالة إنما منعت لأجل الغرر فإذا رضي بالجملة فقد زال الغرر وصحت البراءة .
ولنا [ أن النبي A قال لرجلين اختصما إليه في مواريث درست اقتسما وتوخيا الحق ثم استهما ثم تحالا ] رواه أبو داود ولأنه إسقاط فصح في المجهول كالعتاق والطلاق وكما لو قال من درهم إلى ألف ولأن الحاجة داعية إلى تبرئة الذمة ولا سبيل إلى العلم بما فيها فلو وقفت صحة البراءة على العلم لكان سدا لباب عفو الإنسان عن أخيه المسلم وتبرئة ذمته فلم يجز ذلك كالمنع من العتق وأما إن كان من عليه الحق يعلمه ويكتمه المستحق خوفا من أنه إذا علمه لم يسمح بإبرائه منه فينبغي أن لا تصح البراءة فيه لأن فيه تغريرا بالمشتري وقد أمكن التحرز منه وقال أصحابنا لو أبرأه من مائة وهو يعتقد أنه لا شيء له عليه وكان له عليه مائة ففي صحة البراءة وجهان أحدهما : صحتها لأنها صادفت ملكه فأسقطته كما لو علمها والثاني : لا تصح لأنه أبرأه مما لا يعتقد أنه عليه فلم يكن ذلك إبراء في الحقيقة وأصل الوجهين ما لو باع مالا كان لموروثه يعتقد أنه باق لموروثه وكان موروثه قد مات وانتقل ملكه إليه فهل يصح ؟ فيه وجهان و للشافعي قولان في البيع وفي صحة الإبراء وجهان