فصول : جناية العبد على الموقوف وجواز تزويج الأمة الموقوفة .
فصل : إذا جنى الوقف جناية توجب القصاص وجب سواء كانت الجناية على الموقوف عليه أو على غيره فإن قتل بطل الوقف فيه وإن قطع كان باقيه وقفا كما لو تلف بفعل الله تعالى وإن كانت الجناية موجبة للمال لم يمكن تعلقها برقبته لأنه لا يمكن بيعها ويجب ارشها على الموقوف عليه لأنه ملكه تعلق ارشه برقبته فكان على مالكه كأم الولد ولا يلزمه أكثر من قيمته كأم الولد وإن قلنا الوقف لا يملك فالأرش في كسبه لأنه تعذر تعلقه برقبته لكونها لا تباع وبالموقوف عليه لأنه لا يملكه فكان في كسبه كالحر يكون في ماله ويحتمل أن يكون في بيت المال كارش جناية الحر المعسر وهذا احتمال ضعيف جدا فإن الجناية إنما تكون في بيت المال في صورة تحملها العاقلة عند عدمها وجناية العبد لا تحملها العاقلة وإن كان الوقف على المساكين فينبغي أن يكون الارش في كسبه لأنه ليس له مستحق معين يمكن إيجاب الارش عليه ولا يمكن تعلقه برقبته لتعذر بيعها فتعين في كسبه ويحتمل أن يجب في بيت المال .
فصل : وإن جنى على الوقف جناية موجبة للمال وجب لأن ماليته لم تبطل ولو بطلت ماليته لم يبطل أرش الجناية عليه فإن الحر يجب أرش الجناية عليه فإن قتل وجبت قيمته وليس للموقوف عليه العفو عنها لأنه لا يختص بها ويشتري بها مثل المجني عليه يكون وقفا وقال بعض الشافعية : يختص الموقوف عليه بالقيمة إن قلنا أنه يملك الموقوف لأنه بدل ملكه .
ولنا أنه ملك لا يختص به فلم يختص ببدله كالعبد المشترك والمرهون وبيان عدم الاختصاص ظاهر فإنه يتعلق به حق البطن الثاني فلم يجز إبطاله ولا نعلم قدر ما يستحق هذا منه فنعفو عنه فلم يصح العفو عن شيء منه كما لو أتلف رجل رهنا أخذت منه قيمته فجعلت رهنا ولم يصح عفو واحد منهما عنه وإن كانت الجناية عمدا محضا من مكافئ له فالظاهر أنه لا يجب القصاص لأنه محل لا يختص به الموقوف عليه فلم يجز أن يقتص من قاتله كالعبد المشترك وقال بعض أصحاب الشافعي يكون ذلك إلى الإمام فإن قطعت يد العبد أو طرف من أطرافه فالقصاص له وله استيفاؤه لأنه لا يشاركه فيه غيره وإن كان القطع لا يوجب القصاص أو يوجبه فعفى عنه وجب نصف قيمته فإن أمكن أن يشترى بها عبد كامل وإلا اشتري بها شقص من عبد .
فصل : ويجوز تزويج الأمة الموقوفة لأنه عقد على منفعتها أشبه الإجارة ولأن الموقوف عليه لا يملك استيفاء هذه المنفعة فلا يتضرر بتمليك غيره إياها ووليها الموقوف عليه لأنها ملكه والمهر له لأنه بدل نفعها أشبه الأجر في الإجارة ويحتمل أن لا يجوز تزويجها لأنه عقد على نفعها في العمر فيفضي إلى تفويت نفعها في حق البطن الثاني ولأن النكاح يتعلق به حقوق من وجوب تمكين الزوج من استمتاعها ومبيتها عنده فتفوت خدمتها في الليل على البطن الثاني إلا أن تطلب التزويج فيتعين تزويجها لأنه حق لها طلبته فتتعين الإجابة إليه وما فات من الحق به فات تبعا لإيفائها حقها فوجب ذلك كما يجب تزويج الأمة غير الموقوفة إذا طلبت ذلك وإذا زوجها فولدت من الزوج فولدها وقف معها لأن ولد كل ذات رحم تثبت لها حرمة حكمه حكمها كأم الولد والمكاتبة وإن أكرهها أجنبي فوطئها أو طاوعته فعليه الحد إذا انتفت الشبهة وعليه المهر لأهل الوقف لأنه وطئ جارية غيره أشبه الأمة المطلقة وولدها يكون وقفا معها وإن وطئها بشبهة يعتقدها حرة فالولد حر ولو كان الواطئ عبدا وتجب قيمته لأنه كان من سبيله أن يكون مملوكا فمنعه اعتقاد الحرية من الرق فوجبت قيمته يشترى بها عبد يكون رقيقا وتعتبر قيمته يوم تضعه حيا لأنه لا يمكن تقويمه قبل ذلك .
فصل : وليس للموقوف عليه وطء الأمة الموقوفة لأنا لا نأمن حبلها فتنقص أو تتلف أو تخرج من الوقف بكونها أم ولد ولأن ملكه ناقص فإن وطئ فلا حد عليه للشبهة ولا مهر عليه لأنه لو وجب لوجب له ولا يجب للإنسان شيء على نفسه والولد حر لأنه من وطئ شبهة وعليه قيمة الولد يشترى بها عبد مكانه وتصير أم ولد لأنه أحبلها بحر في ملكه فإذا مات عتقت ووجبت قيمتها في تركته لأنه أتلفها على من بعده من البطون فيشترى بها جارية تكون وقفا مكانها وإن قلنا أن الموقوف عليه لا يملكها لم تصر أم ولد له لأنها غير مملوكة له .
فصل : وإن أعتق العبد الموقوف لم ينفذ عتقه لأنه يتعلق به حق غيره ولأن الوقف لازم فلا يمكن إبطاله وإن كان نصف العبد وقفا ونصفه طلقا فأعتق صاحب الطلق لم يسر عتقه إلى الوقف لأنه إذا لم يعتق بالمباشرة فبالسراية أولى