مسألة وفصول : الوقف في مرض الموت وجواز تعليق الوقف على شرط .
مسألة : قال : ومن وقف في مرضه الذي مات فيه أو قال هو وقف بعد موتي ولم يخرج من الثلث وقف منه بقدر الثلث إلا أن تجيز الورثة : .
وجملته أن الوقف في مرض الموت بمنزلة الوصية في اعتباره من ثلث المال لأنه تبرع فاعتبر في مرض الموت من الثلث كالعتق والهبة وإذا خرج من الثلث جاز من غير رضا الورثة ولزم وما زاد على الثلث لزم الوقف منه في قدر الثلث ووقف الزائد على إجازة الورثة لا نعلم في هذا خلافا عند القائلين بلزوم الوقف وذلك لأن حق الورثة تعلق بالمال بوجود المرض فمنع التبرع بزيادة على الثلث كالعطايا والعتق فأما إذا قال هو وقف بعد موتي فظاهر كلام الخرقي أنه يصح ويعتبر من الثلث كسائر الوصايا وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وقال القاضي : لا يصح هذا لأنه تعليق للوقف على شرط وتعليق الوقف على شرط غير جائز بدليل ما لو علقه على شرط في حياته وحمل كلام الخرقي على أنه قال قفوا بعد موتي فيكون وصية بالوقف لا إيقافا وقال أبو الخطاب قول الخرقي هذا يدل على جواز تعليق الوقف على شرط .
ولنا على صحة الوقف بالمعلق بالموت ما احتج به الإمام أحمد Bه أن عمر وصى فكان في وصيته : هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث أن ثمغا صدقة وذكر بقية الخبر وقد ذكرناه في غير هذا الموضع ورواه أبو داود بنحو من هذا وهذا نص في مسألتنا ووقفه هذا كان بأمر النبي A ولأنه اشتهر في الصحابة فلم ينكر فكان إجماعا ولأن هذا تبرع معلق بالموت فصح كالهبة والصدقة المطلقة أو نقول صدقة معلقة بالموت فأشبهت غير الوقف ويفارق هذا التعليق على شرط في الحياة بدليل الهبة المطلقة والصدقة وغيرهما وذلك لأن هذا وصية والوصية أوسع من التصرف في الحياة بدليل جوازها بالمجهول والمعدوم وللمجهول وللحمل وغير ذلك وبهذا يتبين فساد قياس من قاس على هذا الشرط بقية الشروط .
فصل : ولا يجوز تعليق ابتداء الوقف على شرط في الحياة مثل أن يقول إذا جاء رأس الشهر فداري وقف أو فرسي حبيس أو إذا ولد لي ولد أو إذا قدم لي غائبي ونحو ذلك ولا نعلم في هذا خلافا لأنه نقل للملك فيما لم يبن على التغليب والسراية فلم يجز تعليقه على شرط كالهبة وسوى المتأخرون من أصحابنا بين تعليقه بالموت وتعليقه بشرط في الحياة ولا يصح لما ذكرنا من الفرق بينهما فيما قبل هذا .
فصل : وإن علق انتهاءه على شرط نحو قوله داري وقف إلى سنة أو إلى أن يقدم الحاج لم يصح في أحد الوجهين لأنه ينافي مقتضى الوقف فإن مقتضاه التأبيد وفي الآخر يصح لأنه منقطع الانتهاء فأشبه ما لو وقفه على منقطع الانتهاء فإن حكمنا بصحته ههنا فحكمه حكم منقطع الانتهاء .
فصل : وإن قال هذا وقف على ولدي سنة ثم على المساكين صح وكذلك إن قال هذا وقف على ولدي مدة حياتي ثم هو بعد موتي للمساكين صح لأنه وقف متصل الابتداء والانتهاء وإن قال وقف على المساكين ثم على أولادي صح ويكون وقفا على المساكين ويلغى قوله على أولادي لأن المساكين لا انقراض لهم .
فصل : واختلفت الرواية عن أحمد في الوقف في مرضه على بعض ورثته فعنه لا يجوز ذلك فإن فعل وقف على إجازة سائر الورثة قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم فيمن أوصى لأولاد بنيه بأرض توقف عليهم فقال : إن لم يرثوه فجائز فظاهر هذا أنه لا يجوز الوقف عليهم في المرض اختاره أبو حفص العكبري و ابن عقيل وهو مذهب الشافعي والرواية الثانية : يجوز أن يقف عليهم ثلثه كالأجانب فإنه قال في رواية جماعة منهم الميموني : يجوز للرجل أن يقف في مرضه على ورثته فقيل له أليس تذهب أنه لا وصية لوارث ؟ فقال نعم والوقف غير الوصية لأنه لا يباع ولا يورث ولا يصير ملكا للورثة ينتفعون بغلته وقال في رواية أحمد بن الحسن : فإنه صرح في مسألته بوقف ثلثه على بعض ورثته دون بعض فقال جائز قال الخبري : وأجاز هذا الأكثرون واحتج أحمد Bه بحديث عمر Bه أنه قال هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث أن ثمغا صدقة والعبد الذي فيه والسهم الذي بخيبر ورقيقه الذي فيه والمائة وسق الذي أطعمني محمد A تليه حفصة ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهله لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث يرى من السائل والمحروم وذوي القربى ولا حرج على من وليه إن أكل أو اشترى رقيقا رواه أبو داود بنحو من هذا فالحجة أنه جعل لحفصة أن تلي وقفه وتأكل منه وتشتري رقيقا قال الميموني : قلت ل أحمد : إنما أمر النبي A عمر بالإيقاف وليس في الحديث الوارث قال : فإذا كان النبي A أمره وهو ذا قد وقفها على ورثته وحبس الأصل عليهم جميعا ولأن الوقف ليس في معنى المال لأنه لا يجوز التصرف فيه فهو كعتق الوارث .
ولنا أنه تخصيص لبعض الورثة بماله في مرضه فمنع منه كالهبات ولأن كل من لا تجوز له الوصية بالعين لا تجوز بالمنفعة كالأجنبي فيما زاد على الثلث وأما خبر عمر فإنه لم يخص بعض الورثة بوقفه والنزاع إنما هو في تخصيص بعضهم وأما جعل الولاية لحفصة فليس ذلك وقفا عليها فلا يكون ذلك واردا في محل النزاع وكونه انتفاعا بالغلة لا يقتضي جواز التخصيص بدليل ما لو أوصى لورثته بمنفعة عبد لم يجز ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في رواية الجماعة على أنه وقف على جميع الورثة ليكون على وفق حديث عمر وعلى وفق الدليل الذي ذكرنا .
فصل : فإن وقف داره وهي تخرج من الثلث بين ابنه وبنته نصفين في مرض موته فعلى رواية الجماعة يصح الوقف ويلزم لأنه لما كان يجوز له تخصيص البنت بوقف الدار كلها فبنصفها أولى وعلى الرواية التي نصرناها إن أجاز الابن ذلك جاز وإن لم يجزه بطل الوقف فيما زاد على نصيب البنت وهو السدس ويرجع إلى الابن ملكا فيكون له النصف وقفا والسدس ملكا مطلقا والثلث للبنت جميعه وقفا ويحتمل أن يبطل الوقف في نصف ما وقف على البنت وهو الربع ويبقى ثلاثة أرباع الدار وقفا ونصفها للابن وربعها للبنت والربع الذي بطل الوقف فيه بينهما أثلاثا للابن ثلثاه وللبنت ثلثه وتصح المسألة من اثني عشر للابن ستة أسهم وقفا وسهمان ملكا وللبنت ثلاثة أسهم وقفا وسهم ملكا ولو وقفها على ابنه وزوجته نصفين وهي تخرج من الثلث فرد الابن صح الوقف على الابن في نصفها وعلى المرأة في ثمنها وللابن إبطال الوقف في ثلاثة أثمانها فترجع إليه ملكا على الوجه الأول وعلى الوجه الثاني يصح الوقف على الابن في نصفها وهو أربعة أسباع نصيبه ويرجع إليه باقي حصته ملكا ويصح الوقف في أربعة أسباع الثمن الذي للمرأة وباقيه يكون لها ملكا فاضرب سبعه في ثمانية تكون ستة وخمسين للابن ثمانية وعشرين وقفا وأحد وعشرون ملكا وللمرأة أربعة أسهم وقفا وثلاثة ملكا وهكذا ذكر أصحاب الشافعي فأما إن كانت الدار جميع ملكه فوقفها كلها فعلى ما اخترناه الحكم فيها كما لو كانت تخرج من الثلث فإن الوارث في جميع المال كالأجنبي في الزائد عن الثلث وأما على ما رواه الجماعة فإن الوقف يلزم في الثلث من غير اختيار الورثة وفيما زاد فلهما إبطال الوقف فيه وللابن إبطال التسوية فإن اختار إبطال التسوية دون إبطال الوقف خرج فيه وجهان أحدهما : أنه يبطل الوقف في التسع ويرجع إليه ملكا فيصير له النصف وقفا والتسع ملكا ويكون للبنت السدس والتسعان وقفا لأن الابن إنما ملك إبطال الوقف في ماله دون ما لغيره والوجه الثاني : إن له إبطال الوقف في السدس ويصير له النصف وقفا والتسع ملكا وللبنت الثلث وقفا ونصف التسع ملكا لئلا تزداد البنت على الابن في الوقف وتصح المسألة في هذا الوجه من ثمانية عشر للابن تسعة وقفا وسهمان ملكا وللبنت ستة أسهم وقفا وسهم ملكا وقال أبو الخطاب له إبطال الوقف في الربع كله ويصير له النصف وقفا والسدس ملكا ويكون للبنت الربع وقفا ونصف السدس ملكا كما لو كانت الدار تخرج من الثلث وتصح من اثني عشر