فصل : بيان القطائع وأقسامها وأحكامها .
فصل : في القطائع وهي ضربان أحدهما : اقطاع إرفاق وذلك اقطاع مقاعد السوق والطريق الواسعة ورحاب المساجد التي ذكرنا أن للسابق إليها الجلوس فللإمام اقطاعها لمن يجلس فيها لأن له في ذلك اجتهادا من حيث إنه لا يجوز الجلوس إلا فيما لا يضر بالمارة فكان للإمام أن يجلس فيها من لا يرى أنه يتضرر بجلوسه ولا يملكها المقطع بذلك بل يكون أحق بالجلوس فيها من غيره بمنزلة السابق إليها من غير إقطاع سواء إلا في شيء واحد وهو أن السابق إذا نقل متاعه عنها فلغيره الجلوس فيها لأن استحقاقه لها بسبقه إليها ومقامه فيها فإذا انتقل عنها زال استحقاقه لزوال المعنى الذي استحق به وهذا استحق باقطاع الإمام فلا يزول حقه بنقل متاعه ولا يضره الجلوس فيه وحكمه في التظليل على نفسه بما ليس بناء ومنعه من البناء ومنعه إذا طال مقامه حكم السابق على ما أسلفناه الثاني : اقطاع موات من الأرض لمن يحييها فيجوز ذلك لما روى وائل بن حجر أن رسول الله A أقطعه أرضا فأرسل معاوية أن أعطه إياه أو أعلمه إياه حديث صحيح وأقطع بلال بن الحارث المزني وأبيض بن حمال المأربي وأقطع الزبير حضر فرسه فأجرى فرسه حتى قام ورمى بسوطه فقال : أعطوه من حيث وقع السوط رواه سعيد و أبو داود وذكر البخاري عن أنس قال : [ دعا رسول الله A الأنصار ليقطع لهم بالبحرين فقالوا : يا رسول الله إن فعلت فاكتب لإخواننا من قريش بمثلها ] وروي أن أبا بكر أقطع طلحة بن عبيد الله أرضاص وأن عثمان أقطع خمسة من أصحاب النبي A الزبير وسعدا وابن مسعود وأسامة بن زيد وخباب بن الأرت ويروى عن نافع أبي عبد الله أنه قال لعمر : إن قبلنا أرضا بالبصرة ليست من أرض الخراج ولا تضر بأحد من المسلمين فإن رأيت أن تقطعنيها اتخذ فيها قصيلا لخيلي فافعل قال : فكتب عمر إلى أبي موسى إن كانت كما يقول فأقطعها إياه روى هذه الآثار كلها أبو عبيد في الأموال وروى سعيد عن سفيان عن أبي نجيح عن عمرو بن شعيب أن النبي A اقطع ناسا من جهينة أو مزينة أرضا إذا ثبت هذا فإن من أقطعه الإمام شيئا من الموات لم يملكه بذلك لكن يصير أحق به كالمتحجر للشارع في الإحياء بدليل ما ذكرنا من حديث بلال بن الحارث حيث استرجع عمر منه ما عجز عن إحيائه من العقيق الذي أقطعه إياه رسول الله A ولو ملكه لم يجز استرجاعه ورد عمر أيضا قطيعة أبي بكر لعيينة بن حصن فأسل عيينة أبا بكر أن يجدد له كتابا فقال : والله لا أجدد شيئا رده عمر رواه أبو عبيد لكن المقطع يصير أحق به من سائر الناس وأولى بإحيائه فإن أحياه وإلا قال له السلطان إن أحييته وإلا فارفع يدك عنه كما قال عمر لبلال بن الحارث المزني إن رسول الله A لم يقطعك لتحجبه دون الناس وإنما أقطعك لتعمر فخذ منها ما قدرت على عمارته ورد الباقي وإن طلب المهلة لعذر أمهل بقدر ذلك وإن طلبها لغير عذر لم يمهل على ما ذكرنا في المتحجر وإن سبق غيره فأحياه قبل أن يقال له شيء أو في مدة المهلة فهل يملكه ؟ على وجهين .
وقد روي عن عمرو بن شعيب أن النبي A أقطع ناسا من جهينة أو مزينة أرضا فعطلوها فجاء قوم فأحيوها فخاصمهم الذين أقطعهم رسول الله A إلى عمر Bه فقال عمر : لو كانت قطيعة مني أو من أبي بكر لم أردها ولكنها قطيعة من رسول الله A فأنا أردها فدل هذا على أنها إذا كانت قطيعة من غير رسول الله A فهي لمن أحياها والثاني : لا يملكه لأنه تعلق به حق المقطع ومفهوم قوله عليه السلام [ من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له ] أنه إذا تعلق بها حق مسلم لم يجز إحياؤها وقد ذكرنا الوجهين في المتحجر وهذا مثله ومذهب الشافعي في هذا الفصل كنحو ما ذكرنا