مسألة وفصلان : قال : ومن أحيى أرضا لم تملك فهي له ولا فرق بين دار حرب أو دار سلام .
مسألة : قال أبو القاسم : ومن أحيا أرضا لم تملك فهي له : .
وجملته أن الموات قسمان أحدهما : ما لم يجز عليه ملك لأحد ولم يوجد فيه أثر عمارة فهذا يملك بالإحياء بغير خلاف بين القائلين بالإحياء والأخبار التي رويناها متناولة له القسم الثاني : ما جرى عليه ملك مالك وهو ثلاثة أنواع أحدها : ما له مالك معين وهو ضربان أحدهما : ما ملك بشراء أو عطية فهذا لا يملك بالإحياء بغير خلاف وقال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن ما عرف بملك مالك غير منقطع أنه لا يجوز إحياؤه لأحد غير أربابه الثاني ما ملك بالإحياء ثم ترك حتى دثر وعاد مواتا فهو كالذي قبله سواء وقال مالك : يملك هذا لعموم قوله [ من أحيا أرضا ميتة فهي له ] ولأن أصل هذه الأرض مباح فإذا تركت حتى تصير مواتا عادت إلى الإباحة كمن أخذ ماء من نهر ثم رده فيه .
ولنا أن هذه أرض يعرف مالكها فلم تملك بالإحياء كالتي ملكت بشراء أو عطية والخبر مقيد بغير المملوك بقوله في الرواية الأخرى [ من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد ] وقوله : في غير حق مسلم وهذا يوجب تقبيد مطلق حديثه وقال هشام بن عروة في تفسير قوله عليه السلام : [ وليس لعرق ظالم حق ] الظالم أن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها ذكره سعيد بن منصور في سننه ثم الحديث مخصوص بما ملك بشراء أو عطية فنقيس عليه محل النزاع ولأن سائر الأموال لا يزول الملك عنها بالترك بدليل سائر الأملاك إذا تركت حتى تشعثت وما ذكروه يبطل بالموات إذا أحياه إنسان ثم باعه فتركه المشتري حتى عاد مواتا وباللقطة إذا ملكها ثم ضاعت منه ويخالف ماء النهر فإنه استهلك النوع الثاني : ما يوجد فيه آثار ملك قديم جاهلي كآثار الروم ومساكن ثمود ونحوهم فهذا يملك بالإحياء لأن ذلك الملك لا حرمة له وقد روي عن طاوس عن النبي A أنه قال : [ عادي الأرض لله ولرسوله ثم هو بعد لكم ] رواه سعيد بن منصور في سننه و أبو عبيد في الأموال وقال : عادي الأرض التي كان بها ساكن في آباد الدهر فانقرضوا فلم يبق منهم أنيس وإنما نسبها إلى عاد لأنهم كانوا مع تقدمهم ذوي قوة وبطش وآثار كثيرة فنسب كل أثر قديم إليهم ويحتمل أن كل ما فيه أثر الملك ولم يعلم زواله قبل الإسلام أنه لا يملك لأنه يحتمل أن المسلمين أخذوه عامرا فاستحقوه فصار موقوفا بوقف عمر له فلم يملك كما لو علم مالكه .
النوع الثالث : ما جرى عليه الملك في الإسلام لمسلم أو ذمي غير معين فظاهر كلام الخرقي أنها لا تملك بالإحياء وهو أحد الروايتين عن أحمد نقلها عنه أبو داود و أبو الحارث ويوسف بن موسى لما روى كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده قال : سمعت رسول الله A يقول : [ من أحيا أرضا مواتا في غير حق مسلم فهي له ] فقيده بكونه في غير حق مسلم ولأن هذه الأرض لها مالك فلم يجز إحياؤها كما لو كان معينا فإن مالكها إن كان له ورثة فهي لهم وإن لم يكن له ورثة ورثها المسلمون والرواية الثانية : أنها تملك بالإحياء نقلها صالح وغيره وهو مذهب أبي حنيفة و مالك لعموم الأخبار ولأنها أرض موات لا حق فيها لقوم بأعيانهم أشبهت ما لم يجر عليه ملك مالك ولأنها إن كانت في دار الإسلام فهي كلقطة دار الإسلام وإن كانت في دار الكفر فهي كالركاز .
فصل : ولا فرق فيما ذكرنا بين دار الحرب ودار الإسلام لعموم الأخبار ولأن عامر دار الحرب إنما يملك بالقهر والغلبة كسائر أموالهم فأما ما عرف أنه كان مملوكا ولم يعلم له مالك معين فهو على الروايتين فإن قيل فهذا ملك كافر غير محترم فأشبه ديار عاد وقد دل عليه قوله عليه السلام : [ عادي الأرض لله ولرسوله ] ولأن الركاز من أموالهم ويملكه واجده فهذا أولى قلنا قوله : عادي الأرض يعني ما قدم ملكه ومضت عليه الأزمان وما كان كذلك فلا حكم لمالكه فأما ما قرب ملكه فيحتمل أن له مالكا باقيا وإن لم يتعين فلهذا قلنا لا يملك على أحد الروايتين وأما الركاز فإنه ينقل ويحول وهذا بخلاف الأرض بدليل أن لقطة دار الإسلام تملك بعد التعريف بخلاف الأرض .
فصل : ولا فرق بين المسلم والذمي في الإحياء نص عليه أحمد وبه قال مالك و أبو حنيفة وقال مالك : لا يملك الذمي بالإحياء في دار الإسلام قال القاضي : وهو مذهب جماعة من أصحابنا لقول النبي A : [ موتان الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني ] فجمع الموتان وجعله للمسلمين ولأن موتان الدار من حقوقها والدار للمسلمين فكان مواتها لهم كمرافق المملوك .
ولنا عموم قول النبي A : [ من أحيا أرضا ميتة فهي له ] ولأن هذه جهة من جهات التمليك فاشترك فيها المسلم والذمي كسائر جهاته وحديثهم لا نعرفه إنما نعرف قوله : [ عادي الأرض لله ولرسوله ثم هو لكم بعد ومن أحيا مواتا من الأرض فله رقبتها ] هكذا رواه سعيد بن منصور وهو مرسل رواه طاوس عن النبي A ثم لا يمتنع أن يريد بقوله هي لكم أي لأهل دار الإسلام والذمي من أهل الدار تجري عليه أحكامها وقولهم أنها من حقوق الإسلام قلنا : وهو من أهل الدار فيتملكها كما يملكها بالشراء ويملك مباحاتها من الحشيش والحطب والصيود والركاز والمعدن واللقطة وهي من مرافق دار الإسلام