مسألة وفصول : حكم تلف العين في حرز الأجير المشترك - وحكم ضمانها .
مسألة : قال : وإن تلفت من حرز فلا ضمان عليه ولا أجر له فيما عمل فيها : .
اختلفت الرواية عن أحمد في الأجير المشترك إذا تلفت العين من حرزه من غير تعد منه ولا تفريط فروي عنه لا يضمن نص عليه في رواية ابن منصور وهو قول طاوس و عطاء و أبو حنيفة و زفر وقول الشافعي وروي عن أحمد إن كان هلاكه بما استطاع ضمنه وإن كان غرقا أو عدوا غالبا فلا ضمان قال أحمد رحمة الله عليه في رواية أبي طالب إذا جنت يده أو ضاع من بين متاعه ضمنه وإن كان عدوا أو غرقا فلا ضمان ونحو هذا قال أبو يوسف والصحيح في المذهب الأول وهذه الرواية تحتمل أنه إنما أوجب عليه الضمان إذا تلف من بين متاعه خاصة لأنه يتهم ولهذا قال في الوديعة في رواية إنها تضمن إذا ذهبت من بين ماله فأما غير ذلك فلا ضمان عليه لأن تخصيصه التضمين بما إذا تلف من بين متاعه يدل على أنه لا يضمن إذا تلف مع متاعه ولأنه إذا لم يكن منه تفريط ولا عدوان فلا يجب عليه الضمان كما لو تلفت بأمر غالب وقال مالك و ابن أبي ليلى : يضمن بكل حال لقول النبي A : [ على اليد ما أخذت حتى تؤديه ] ولأنه قبض العين لمنفعة نفسه من غير استحقاق فلزمه ضمانها كالمستعير .
ولنا أنها عين مقبوضة بعقد الإجارة لم يتلفها بفعله فلم يضمنها كالعين المستأجرة ولأنه قبضها بإذن مالكها لنفع يعود إليهما فلم يضمنها كالمضارب والشريك والمستأجر وكما لو تلفت بأمر غالب ويخالف العارية فإنه ينفرد بنفعها والخبر مخصوص بما ذكرنا من الأصول فيخص محل النزاع بالقياس عليها إذا ثبت هذا فإنه لا أجر له فيما عمل فيها لأنه لم يسلم عمله إلى المستأجر فلم يستحق عوضه كالمبيع من الطعام إذا تلف في يد البائع قبل تسليمه .
فصل : وإذا حبس الصانع الثوب بعد عمله على استيفاء الأجر فتلف ضمنه لأنه لم يرهنه عنده ولا أذن له في إمساكه فلزمه الضمان كالغاصب .
فصل : إذا أخطأ القصار فدفع الثوب إلى غير مالكه فعليه ضمانه لأنه فوته على مالكه قال أحمد : يغرم القصار ولا يسع المدفوع إليه لبسه إذا علم أنه ليس ثوبه وعليه رده إلى القصار ويطالبه بثوبه فإن لم يعلم القابض حتى قطعه ولبسه ثم علم رده مقطوعا وضمن ارش القطع وله مطالبته بثوبه إن كان موجودا وإن هلك عند القصار فهل يضمنه ؟ فيه روايتان إحداهما : يضمنه لأنه أمسكه بغير إذن صاحبه بعد طلبه فضمنه كما لو علم والثانية : لا يضمنه لأنه لم يمكنه رده فأشبه ما لو عجز عن دفعه لمرض .
فصل : والعين المستأجرة أمانة في يد المستأجر إن تلفت بغير تفريط لم يضمنها قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن الذين يكرون المظل أو الخيمة إلى مكة فيذهب من المكتري بسرق أو بذهاب هل يضمن ؟ قال : أرجو أن لا يضمن وكيف يضمن ؟ إذا ذهب لا يضمن ولا نعلم في هذا خلافا وذلك لأنه قبض العين لاستيفاء منفعة يستحقها منها فكانت أمانة كما لو قبض العبد الموصى له بخدمته سنة أو قبض الزوج امرأته الأمة ويخالف العارية فإنه لا يستحق منفعتها وإذا انقضت المدة فعليه رفع يده وليس عليه الرد أومأ إليه في رواية ابن منصور فقيل له : إذا اكترى دابة أو استعار أو استودع فليس عليه أن يحمله فقال أحمد : من استعار شيئا فعليه رده من حيث أخذه فأوجب الرد في العارية ولم يوجبه في الإجارة والوديعة ووجهه أنه عقد لا يقتضي الضمان فلا يقتضي رده ومؤنته كالوديعة وفارق العارية فإن ضمانها يجب فكذلك ردها وعلى هذا متى انقضت المدة كانت العين في يده أمانة كالوديعة إن تلفت من غير تفريط فلا ضمان عليه وهذا قول بعض الشافعية وقال بعضهم : يضمن لأنه بعد انقضاء الإجارة غير مأذون له في إمساكها أشبه العارية المؤقتة بعد وقتها .
ولنا أنها أمانة أشبهت الوديعة ولأنه لو وجب ضمانها لوجب ردها وأما العارية فإنها مضمونة في كل حال بخلاف مسألتنا ولأنه يجب ردها وعلى كل حال متى طلبها صاحبها وجب تسليمها إليه فإن امتنع من ردها لغير عذر صارت مضمونة كالمغصوبة .
فصل : فإن شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين فالشرط فاسد لأنه ينافي مقتضى العقد وهل تفسد الإجارة به ؟ فيه وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع قال أحمد : فيما إذا شرط ضمان العين : الكراء والضمان مكروه وروى الأثرم بإسناده عن ابن عمر قال : لا يصلح الكراء بالضمان وعن فقهاء المدينة أنهم كانوا يقولون لا نكتري بضمان إلا أنه من شرط على كري أنه لا ينزل متاعه بطن واد أو لا يسير به ليلا مع أشباه هذه الشروط فتعدى ذلك فتلف شيء مما حمل في ذلك التعدي فهو ضامن فأما غير ذلك فلا يصح شرط الضمان فيه وإن شرطه لم يصح الشرط لأن ما لا يجب ضمانه لا يصيره الشرط مضمونا وما يجب ضمانه لا ينتفي ضمانه بشرط نفيه وعن أحمد أنه سئل عن ذلك فقال : المسلمون على شروطهم وهذا يدل على نفي الضمان بشرطه ووجوبه بشرطه لقوله A : [ المسلمون على شروطهم ] فأما إن أكراه عينا وشرط عليه أن لا يسير بها في الليل أو وقت القائلة أو لا يتأخر بها عن القافلة أو لا يجعل سيره في آخرها أو لا يسلك بها الطريق الفلانية وأشباه هذا مما له فيه غرض مخالف ضمن لأنه متعد لشرط كريه فضمن ما تلف به كما لو شرط عليه أن لا يحمل عليها إلا قفيزا فحمل اثنين .
فصل : وإن كانت الإجارة فاسدة لم يضمن العين أيضا إذا تلفت بغير تفريط ولا تعد لأنه عقد لا يقتضي الضمان صحيحه فلا يقتضيه فاسده كالوكالة والمضاربة وحكم كل عقد فاسد في وجوب الضمان حكم صحيحه فما وجب الضمان في صحيحه وجب في فاسده وما لم يجب في صحيحه لم يجب في فاسده .
فصل : وللمستأجر ضرب الدابة بقدر ما جرت به العادة ويكبحها باللجام للاستصلاح ويحثها على السير ليلحق القافلة وقد صح أن النبي A نخس بعير جابر وضربه وكان أبو بكر Bه يحرش بعيره بمحجنه وللرائض ضرب الدابة للتأديب وترتيب المشي والعدو والسير وللمعلم ضرب الصبيان للتأديب قال الأثرم : سئل أحمد عن ضرب المعلم الصبيان قال : على قدر ذنوبهم ويتوقى بجهده الضرب وإذا كان صغيرا لا يعقل فلا يضربه ومن ضرب من هؤلاء الضرب المأذون فيه لم يضمن ما تلف وبهذا في الدابة قال مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أبو يوسف ومحمد وقال الثوري و أبو حنيفة : يضمن لأنه تلف بجنايته فضمنه كغير المستأجر وكذلك قال الشافعي في المعلم يضرب الصبي لأنه يمكنه تأديبه بغير الضرب .
ولنا أنه تلف من فعل مستحق فلم يضمن كما لو تلف تحت الحمل ولأن الضرب معنى تضمنه عقد الإجارة فإذا تلف منه لم يضمن كالركوب وفارق غير المستأجر لأنه متعد وقول الشافعي : يمكن التأديب بغير الضرب لا يصح فإن العادة خلافه ولو أمكن التأديب بدون الضرب لما جاز الضرب إذ فيه ضرر وإيلام مستغنى عنه وإن أسرف في هذا كله أو زاد على ما يحصل الغنى به أو ضرب من لا عقل له من الصبيان فعليه الضمان لأنه متعد حصل التلف بعدوانه