فصل : تجوز إجارة الأرض بالورق والذهب .
فصل : في إجارة الأرض تجوز إجارتها بالورق والذهب وسائر العروض سوى المطعوم في قول أكثر أهل العلم قال أحمد : فلما اختلفوا في الذهب والورق وقال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أن اكتراء الأرض وقتا معلوما جائز بالذهب والفضة روينا هذا القول عن سعيد و رافع بن خديج و ابن عمر و ابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب و عروة و القاسم و سالم و عبد الله بن الحارث و مالك و الليث و الشافعي و إسحاق و أبو ثور وأصحاب الرأي وروي عن طاوس و الحسن كراهة ذلك لما روى رافع [ أن النبي A نهى عن كراء المزارع ] متفق عليه .
ولنا [ أن رافعا قال : أما بالذهب والورق فلم ينهنا يعني النبي A ] متفق عليه ول مسلم [ أما بشيء معلوم مضمون فلا بأس ] و [ عن حنظلة بن قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض فقال نهى رسول الله A عن كراء الأرض قال : فقلت بالذهب والفضة ؟ قال إنما نهى عنها ببعض ما يخرج منها أما بالذهب والفضة فلا بأس ] متفق عليه و [ عن سعد قال : كنا نكري الأرض بما على السواقي وما سعد بالماء منها فنهانا رسول الله A عن ذلك وأمرنا أن نكريها بذهب أو فضة ] رواه أبو داود ولأنها عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها فجازت إجارتها بالأثمان ونحوها كالدور والحكم في العروض كالحكم في الأثمان وأما حديثهم فقد فسره الراوي بما ذكرنا عنه فلا يجوز الإحتجاج به على غيره وحديثنا مفسر لحديثهم فإن راويهما واحد وقد رواه عاما وخاصا فيحمل العام على الخاص مع موافقة الخاص لسائر الأحاديث والقياس وقول أكثر أهل العلم .
فأما إجارتها بطعام فتنقسم ثلاثة أقسام أحدها : أن يؤجرها بمطعوم غير الخارج منها معلوم فيجوز نص عليه أحمد في رواية الحسن بن ثواب وهو قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن جبير و عكرمة و النخعي و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي ومنع منه مالك حتى منع إجارتها باللبن والعسل وقد روي عن أحمد أنه قال : ربما تهيبته قال القاضي : هذا من أحمد على سبيل الورع ومذهبه الجواز والحجة ل مالك ما روى رافع بن خديج عن بعض عمومته قال : قال رسول الله A : [ من كانت له أرض فلا يكريها بطعام مسمى ] رواه أبو داود و ابن ماجة و [ روى ظهير بن رافع قال : دعاني رسول الله A فقال : ما تصنعون بمحاقلكم ؟ قلت نؤاجرها على الربع أو على الأوسق من الثمر أو الشعير قال : لا تفعلوا إزرعوها أو امسكوها ] متفق عليه وروى أبو سعيد قال : [ نهى رسول الله A عن المحاقلة استكراء الأرض بالحنطة ] .
ولنا قول رافع فأما بشيء معلوم مضمون فلا بأس به ولأنه عوض معلوم مضمون لا يتخذ وسيلة إلى الربا فجازت إجارتها به كالأثمان وحديث ظهير بن رافع قد سبق الكلام عليه في المزارعة على أنه يحتمل النهي عن إجارتها بذلك إذا كان خارجا منها ويحتمل النهي عنه إذا آجرها بالربع والأوسق وحديث أبي سعيد يحتمل المنع من كرائها بالحنطة إذا اكتراها لزرع الحنطة .
القسم الثاني : إجارتها بطعام معلوم من جنس ما يزرع فيها كإجارتها بقفزان حنطة لزرعها فقال أبو الخطاب : فيها روايتان إحداهما : المنع وهي التي ذكرها القاضي مذهبا وهي قول مالك لما تقدم من الأحاديث ولأنها ذريعة إلى المزارعة عليها بشيء معلوم من الخارج منها لأنه يجعل مكان قوله زارعتك آجرتك فتصير مزارعة بلفظ الإجارة والذرائع معتبرة والثانية : جواز ذلك اختارها أبو الخطاب وهو قول أبو حنيفة و الشافعي لما ذكرنا في القسم الأول ولأن ما جازت إجارته بغير المطعوم جازت به كالدور .
القسم الثالث : إجارتها بجزء مشاع مما يخرج منها كنصف وثلث وربع فالمنصوص عن أحمد جوازه وهو قول أكثر الأصحاب واختار أبو الخطاب أنها لا تصح وهو قول أبو حنيفة و الشافعي وهو الصحيح إن شاء الله لما تقدم من الأحاديث في النهي من غير معارض لها ولأنها إجارة بعوض مجهول فلم تصح كإجارتها بثلث ما يخرج من أرض أخرى ولأنها إجارة لعين ببعض نمائها فلم تجز كسائر الأعيان ولأنه لا نص في جوازها ولا يمكن قياسها على المنصوص فإن النصوص إنما وردت بالنهي عن إجارتها بذلك ولا نعلم في تجويزها نصا والمنصوص على جوازه إجارتها بذهب أو فضة أو شيء مضمون معلوم وليست هذه كذلك فأما نص أحمد في الجواز فيتعين حمله على المزارعة بلفظ الإجارة فيكون حكمها حكم المزارعة في جوازها ولزومها وفيها يلزم العامل ورب الأرض وسائر أحكامها والله أعلم