فصل : المساقاة والمزارعة من العقود الجائزة .
فصل : ظاهر كلام أحمد أن المساقاة والمزارعة من العقود الجائزة أومأ إليه في رواية الأثرم وسئل عن الأكار يخرج نفسه من غير أن يخرجه صاحب الضيعة فلم يمنعه من ذلك ذكره الشيخ أبو عبد الله ابن حامد وهو قول بعض أصحاب الحديث وقال بعض أصحابنا : هو عقد لازم وهو قول أكثر الفقهاء لأنه عقد معاوضة فكان لازما كالإجارة ولأنه لو كان جائزا جاز لرب المال فسخه إذا أدركت الثمرة فيسقط حق العامل فيستضر .
ولنا ما روى مسلم بإسناده عن ابن عمر أن اليهود سألوا رسول الله A : [ نقركم على ذلك ما شئنا ] ولو كان لازما لم يجز بغير تقدير مدة ولا أن يجعل الخيرة إليه في مدة إقرارهم ولأن النبي A ينقل عنه أنه قدر لهم ذلك بمدة ولو قدر لم يترك نقله لأن هذا مما يحتاج إليه فلا يجوز الإخلال بنقله وعمر Bه أجلاهم من الأرض وأخرجهم من خيبر ولو كانت لهم مدة مقدرة لم يجز إخراجهم فيها ولأنه عقد على جزء من نماء المال فكان جائزا كالمضاربة وفارق الإجارة لأنها بيع فكانت لازمة كبيع الأعيان ولأن عوضها مقدر معلوم فأشبهت البيع وقياسهم ينتقض بالمضاربة وهي أشبه بالمساقاة من الإجارة فقياسها عليها أولى وقولهم : إنه يفضي إلى أن رب االمال يفسخ بعد إدراك الثمرة قلنا : إذا ظهرت الثمرة فهي تظهر على ملكهم فلا يسقط حق العامل منها بفسخ ولا غيره كما لو فسخ المضاربة بعد ظهور الربح فعلى هذا لا يفتقرإلى ضرب مدة ولذلك لم يضرب النبي A ولا خلفاؤه Bهم لأهل خيبر مدة معلومة حين عاملوهم ولأنه عقد جائز فلم يفتقر إلى ضرب مدة كالمضاربة وسائر العقود الجائزة ومتى فسخ أحدهما بعد ظهور الثمرة فهي بينهما على ما شرطاه وعلى العامل تمام العمل كما يلزم المضارب بيع العروض إذا فسخت المضاربة بعد ظهور الربح وإن فسخ العامل قبل ذلك فلا شيء له لأنه رضي بإسقاط حقه فصار كعامل المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح وعامل الجعالة إذا فسخ قبل إتمام عمله وإن فسخ رب المال قبل ظهور الثمرة فعليه أجر المثل للعامل لأنه منعه إتمام عمله الذي يستحق بع العوض فأشبه ما لو فسخ الجاعل قبل إتمام عمل الجعالة وفارق رب المال في المضاربة إذا فسخها قبل ظهور الربح لأن عمل هذا مفض إلى ظهور الثمرة غالبا فلولا الفسخ لظهرت الثمرة فملك نصيبه منها وقد قطع ذلك بفسخه فأشبه فسخ الجعالة بخلاف المضاربة فانه لا يعلم إفضاؤها إلى الربح ولأن الثمرة إذا ظهرت في الشجر كان العمل عليها في الإبتداء من أسباب ظهورها والربح إذا ظهر في المضاربة قد لا يكون للعمل الأول فيه أثر أصلا فأما إن قلنا : إنه عقد لازم فلا يصح إلا على مدة معلومة وبهذا قال الشافعي وقال أبو ثور : يصح من غير ذكر مدة ويقع على سنة واحدة وأجازه بعض أهل الكوفة استحسانا لأنه لما شرط له جزء من الثمرة كان ذلك دليلا على أنه أراد مدة تحصل الثمرة فيها ولنا أنه عقد لازم فوجب تقديره بمدة كالإجارة ولأن المساقاة أشبه بالإجارة لأنها تقتضي العمل على العين مع بقائها ولأنها إذا وقعت مطلقة لم يمكن حملها على إطلاقها مع لزومها لأنه يفضي إلى أن العامل يستبد بالشجر كل مدته فيصير كالمالك ولا يمكن تقديره بالسنة لأنه تحكم وقد تكمل الثمرة في أقل من السنة فعلى هذا لا تتقدر أكثر المدة بل يجوز ما يتفقان عليه من المدة التي يبقى الشجر فيها وإن طالت وقد قيل لا يجوز أكثر من ثلاثين سنة وهذا تحكم وتوقيت لا يصار إلا بنص أو إجماع فأما أقل المدة فيتقدر بمدة تكمل الثمرة فيها فلا يجوز على أقل منها لأن المقصود أن يشتركا في الثمرة ولا يوجد في أقل من هذه المدة فإن ساقاة على مدة لا تكمل فيها الثمرة فالمساقاة فاسدة فإذا عمل فيها فظهرت الثمرة ولم تكمل فله أجر مثله في أحد الوجهين وفي الأخر لا شيء له لأنه رضي بالعمل بغير عوض فهو كالمتبرع والأول أصح لأن هذا لم يرض إلا بعوض وهو جزء من الثمرة وذلك الجزء موجود غير أنه لا يمكن تسيمه إليه فلما تعذر دفع العوض الذي اتفقا عليه إليه كان جر مثله كما في الإجارة الفاسدة وفارق المتبرع فإنه رضي بغير شيء وإن لم تظهر الثمرة فلا شيء له في أصح الوجهين لأنه رضي بالعمل بغير عوض وإن ساقاة إلى مدة تكمل فيها الثمرة غالبا فلم يحمل تلك السنة فلا شيء للعامل لأنه عقد صحيح لم يظهر فيه النماء الذي اشترط جزؤه فأشبه المضاربة إذا لم يربح فيها وإن ظهرت الشمرة ولم تكمل فله نصيبه منها وعليه إتمام العمل فيها كما لو انفسخت قبل كمالها وإن ساقاه إلى مدة يحتمل أن يكون للشجر ثمرة ويحتمل أن لا يكون ففي صحة المساقاة وجهان أحدهما : تصح لأن الشجر يحتمل أن يحمل ويحتمل أن لا يحمل والمساقاة جائزة فيه والثاني : لا يصح لأنه عقد على معدوم ليس الغالب وجوده فلم تصح كالسلم في مثل ذلك ولأن ذلك غرر أمكن التحرز عنه فلم يجز العقد معه كما لو شرط ثمر نخلة بعينها وفارق ما إذا شرط مدة تكمل فيها الثمرة فأن الغالب أن الشجر يحمل واحتمال أن لا يحمل نادر لم يمكن التحرز عنه فإن قلنا : العقد صحيح فله حصته من الثمر فإن لم يحمل فلا شيء له وإن قلنا : هو فاسد استحق أجر المثل سواء حمل أو لم يحمل لأنه لم يرض بغير عوض ولم يسلم له العوض فكان له العوض وجها واحدا بخلاف ما لو جعل الأجل إلى مدة لا يحمل في مثلها غالبا ومتى خرجت الثمرة قبل انقضاء الأجل فله حقه منها إذا قلنا : بصحة العقد وإن خرجت بعده فلا حق له فيها ومذهب الشافعي في هذا قريب مما ذكرنا