فصل : وإن غصب شيئا فشغله بملكه .
فصل : وإن غصب شيئا فشغله بملكه كخيط خاط به ثوبا أو نحوه أو حجرا بنى عليه نظرنا فإن بلي الخيط أو انكسر الحجر أو كان مكانه خشبة فتلفت لم يؤخذ برده ووجبت قيمته لأنه صار هالكا فوجبت قيمته وإن كان باقيا بحاله لزمه رده وإن انتقض البناء وتفصل الثوب وبهذا قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يجب رد الخشبة والحجر لأنه صار تابعا لملكه يستضر بقلعه فلم يلزم رده كما لو غصب خيطا فخاط به جرح عبده .
ولنا أنه مغصوب أمكن رده ويجوز له فوجب كما لو بعد العين ولا يشبه الخيط الذي يخاف على العبد من قلعه لأنه يجوز له رده لما في ضمنه من تلف الآدمي ولأن حاجته إلى ذلك تبيح أخذه ابتداء بخلاف البناء وإن خاط بالخيط جرح حيوان فذلك على أقسام ثلاثة أحدها : أن يخيط به جرح حيوان لا حرمة له كالمرتد والخنزير والكلب العقور فيجب نزعه ورده لأنه لا يتضمن تفويت ذي حرمة فأشبه ما لو خاط به ثوبا والثاني : أن يخيط به جرح حيوان محترم لا يحل أكله كالآدمي فإن خيف من نزعه الهلاك أو إبطاء برئه فلا يجب نزعه لأن الحيوان آكد حرمة من عين المال ولهذا يجوز له أخذه مال غيره ليحفظ حياته وإتلاف المال لتبقيه وهو ما يأكله وكذلك الدواب التي لا يؤكل لحمها كالبغل والحمال والأهلي الثالث : أن يخيط به جرح حيوان مأكول فإن كان ملكا لغير الغاصب وخيف تلفه بقلعه لم يقلع لأن فيه أضرارا بصاحبه ولا يزال الضرر بالضرر ولا يجب إتلاف مال من لم يجن صيانة لمال آخر وإن كان الحيوان للغاصب فقال القاضي : لا يجب رده لأنه يمكن ذبح الحيوان والإنتفاع بلحمه وذلك جائز وإن حصل فيه نقص على الغاصب فليس ذلك بمانع من وجوب رد المغصوب كنقص البناء لرد الحجر المغصوب وقال أبو الخطاب : فيه وجهان أحدهما : هذا والثاني : لا يجب قلعه لأن للحيوان حرمة في نفسه وقد نهى النبي A عن ذبح الحيوان لغير أكله ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين ويحتمل أن يفرق بين ما يعد للأكل من الحيوان كبهيمة الأنعام والدجاج وأكثر الطير وبين ما لا يعد له كالخيل والطير المقصود صوته فالأول يجب ذبحه إذا توقف رد المغصوب عليه والثاني : لا يجب لأن ذبحه إتلاف له فجرى مجرى ما لا يؤكل لحمه ومتى أمكن رد الخيط من غير تلف الحيوان أو تلف بعض أعضائه أو ضرر كثير وجب رده