مسألتان : وإن اشترك بدنان بمال .
مسألة : قال : وإن اشترك بدنان بمال أحدهما أو بدنان بمال غيرهما أو بدن ومال أو مالان وبدن صاحب أحدهما أو بدنان بماليهما تساوي المال أو اختلف فكل ذلك جائز .
ذكر أصحابنا الشركة الجائزة أربعا وقد ذكرنا نوعا وهو شركة الأبدان وبقي ثلاثة أنواع ذكرها الخرقي في خمسة أقسام منها المضاربة وهي إذا اشترك بدنان بمال أحدهما أو بدن ومال أو مالان وبدن صاحب أحدهما وقسم منها شركة الوجوه وهو إذا اشترك بدنان بمال غيرهما فقال القاضي : معنى هذا القسم أن يدفع واحد ماله إلى إثنين مضاربة فيكون المضاربان شريكين في الربح بمال غيرهما لأنهما إذا أخذ المال بجاههما فلا يكونان مشتركين بمال غيرهما وهذا محتمل والذي قلنا له وجه لكونهما اشتركا فيما يأخذانه من مال غيرهما واخترنا هذا التفسير لأن كلام الخرقي بهذا التقدير يكون جامعا لأنواع الشركة الصحيحة وعلى تفسير القاضي يكون مخلا بنوع منها وهي شركة الوجوه ويكون هذا المذكور نوعا من المضاربة ولأن الخرقي ذكر الشركة بين اثنين وهو صحيح على تفسيرنا وعلى تفسير القاضي تكون الشركة بين ثلاثة وهو خلاف ظاهر قول الخرقي والقسم الخامس : إذا اشترك بدنان بماليهما وهذه شركة العنان وهي شركة متفق عليها فأما شركة الوجوه فهو أن يشترك إثنان فيما يشتريان بجاههما وثقة التجار بهما من غير أن يكون لهما رأس مال على أن ما اشتريا بينهما نصفين أو ثلاثا أو أربعا أو نحو ذلك ويبيعان ذلك فما قسم الله تعالى فهو بينهما فهي جائزة سواء عين أحدهما لصاحبه ما يشتريه أو قدره أو وقته أو ذكر صنف المال أو لم يعين شيئا من ذلك بل قال ما اشتريت من شيء فهو بيننا قال أحمد في رواية ابن منصور في رجلين اشتركا بغير رؤوس أموالهما على أن ما يشتريه كل واحد منهما بينهما فهو جائز وبهذا قال الثوري و محمد بن الحسين و ابن المنذر وقال أبو حنيفة : لا يصح حتى يذكر الوقت أو المال أو صنفا من الثياب وقال مالك و الشافعي : يشترط ذكر شرائط الوكالة لأن شرائط الوكالة معتبرة في ذلك من تعين الجنس وغيره من شرائط الوكالة .
ولنا أنهما اشتركا في الأبتياع وأذن كل واحد منهما للآخر فيه فصح وكان ما يتبايعانه بينهما كما لو ذكر شرائط الوكالة وقولهم أن الوكالة لا تصح حتى يذكر قدر الثمن والنوع ممنوع على رواية لنا وإن سلمنا ذلك فإنما يعتبر في الوكالة المفردة أما الوكالة الداخلية في ضمن الشركة فلا يعتبر فيها بدليل المضاربة وشركة العنان فإن ضمنها توكيلا ولا يعتبر فيها شيء من هذا كذا ههنا فعلى هذا إذا قال لرجل : ما اشتريت اليوم من شيء فهو بيني وبينك نصفان أو أطلق الوقت فقال : نعم أو قال : ما اشتريت أنا من شيء فهو بيني وبينك نصفان جاز وكانت شركة صحيحة لأنه أذن له في التجارة على أن يكون المبيع بينهما وهذا معنى الشركة ويكون توكيلا له في شراء نصف المتاع بنصف الثمن فيستحق الربح في مقابلة ملكه الحاصل في المبيع سواء خص ذلك بنوع من المتاع أو أطلق وكذلك إذا ما اشتريناه أو ما اشتراه أحدنا من تجارة فهو بيننا فهو شركة صحيحة وهما في تصرفاتهما وما يجب لهما وعليهما في إقرارهما وخصومتهما وغير ذلك بمنزلة شريكي العنان على ما شنذكره إن شاء الله تعالى وأيهما عزل صاحبه عن التصرف انعزل لأنه وكيله وسميت هذه شركة الوجوه لأنهما يشتركان فيما يشتريان بجاههما والجاه واحد يقال فلان وجيه إذا كان ذا جاء الله تعالى في موسى عليه السلام { وكان عند الله وجيها } وفي بعض الآثار أن موسى عليه السلام قال : يا رب إن كان قد خلق جاهي عندك فأسئلك بحق النبي الآمي الذي تبعثه في آخر الزمان فأوحى الله تعالى إليه : ما خلق جاهك عندي وإنك عندي لوجيه .
فصل : القسم الثاني : أن يشترك بدنان بماليهما وهذا النوع الثالث من أنواع الشرك وهي شركة العنان ومعناها أن يشترك رجلان بماليهما على أن يعملا فيهما بأبدانهما والربح بينهما وهي جائزة بالإجماع ذكره ابن المنذر وإنما اختلف في بعض شروطهما واختلف في علة تسميتها شركة العنان فقيل سميت بذلك لأنهما يتساويان في المال والتصرف كالفارسين إذا سويا بين فرسيهما وتساويا في السير فإن عنانيهما يكونان سواء وقال الفراء : هي مشتقة من عن الشيء إذا عرض يقال عنت لي حاجة إذا عرضت فسميت الشركة بذلك لأن كل واحد منهما عن له أن يشارك صاحبه وقيل هي مشتقة من المعاننة وهي المعارضة يقال عاننت فلانا إذا عارضته بمثل ماله وأفعاله فكل واحد من الشريكين معارض لصاحبه لماله وفعاله وهذا يرجع إلى قول الفراء