فصل : ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما .
مسألة : قال : ولا يبرأ المضمون عنه إلا بأداء الضامن .
يعني أن المضمون عنه لا يبرأ بنفس الضمان كما يبرأ بنفس الحوالة قبل القبض بل يثبت الحق في ذمة الضامن مع بقائه في ذمة المضمون عنه ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما في الحياة وبعد الموت وبهذا قال الثوري و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد و أصحاب الرأي وقال أبو ثور : الكفالة والحوالة سواء وكلاهما ينقل الحق عن ذمة المضمون عنه والمحيل وحكي ذلك عن ابن أبي ليلى وابن شبرمة وداود واحتجوا بما [ روى أبو سعيد الخدري قال : كنا مع النبي A في جنازة فلما وضعت قال هل على صاحبكم من دين ؟ قالوا : نعم درهمان فقال : صلوا على صاحبكم فقال علي : هما علي يا رسول الله وأنا لهما ضامن فقام رسول الله A فصلى عليه ثم أقبل على علي فقال جزاك الله خيرا عن الإسلام وفك رهانك كما فككت رهان أخيك فقيل يا رسول الله هذا لعلي خاصة أم للناس عامة ؟ فقال : للناس عامة ] رواه الدارقطني فدل على أن المضمون عنه بريء بالضمان وروى الإمام أحمد في المسند [ عن جابر قال : توفي صاحب لنا فأتينا به النبي A ليصلي عليه فخطا خطوة ثم قال : أعليه دين ؟ قلنا ديناران فانصرف فتحملهما أبو قتادة فقال : الديناران علي فقال رسول الله A وجب الغريم وبريء الميت منهما ؟ قال : نعم فصلى عليه ثم قال بعد ذلك : ما فعل الديناران قال : إنما مات أمس قال : فعاد إليه من الغد فقال : قد قضيتهما فقال رسول الله A الآن بردت جلدته وهذا صريح في براءة المضمون عنه لقوله : وبريء الميت منهما ] ولأنه دين واحد فإذا صار في ذمة ثانية برئت الأولى منه كالمحال به وذلك لأن الدين الواحد لا يحل في محلين .
ولنا قول النبي A [ نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ] وقوله في خبر أبي قتادة [ الآن بردت جلدته ] حين أخبره أنه قضى دينه ولأنها وثيقة فلا تنقل الحق كالشهادة وأما صلاة النبي A على المضمون عنه فلأنه بالضمان صار له وفاء وإنما كان النبي A يمتنع من الصلاة على مدين لم يخلف واء وأما قوله : لعلي فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك فإنه كان بحال لا يصلي عليه النبي A فلما ضمنه فكه فكه من ذلك أو مما في معناه وقوله بريء الميت منهما صرت أنت المطالب بهما وهذا على سبيل التأكيد لثبوت الحق في ذمته ووجوب الأداء عليه بدليل قوله في سياق الحديث حين أخبره بالقضاء الآن بردت عليه جلدته ويفارق الضمان الحوالة فإن الضمان مشتق من الضم فيقتضي الضم بين الذمتين في تعلق الحق بهما وثبوته فيهما والحوالة من التحول فتقتضي تحول الحق من محله إلى ذمة المحال عليه وقولهم أن الدين الواحد لا يحل في محلين قلنا يجوز تعلقه بمحلين على سبيل الاستيثاق كتعلق دين الرهن به وبذمة الراهن وقال أبو بكر عبد العزيز : أما الحي فلا يبرأ بمجرد الضمان رواية واحدة وأما الميت ففي براءته بمجرد الضمان روايتان احدهما : يبرأ بمجرد الضمان نص عليه أحمد في رواية يوسف بن موسى لما ذكرنا من الخبرين ولأن فائدة الضمان في حقه تبرئة ذمته فينبغي أن تحصل هذه الفائدة بمجرد الضمان بخلاف الحي فإن المقصود من الضمان في حقه الاشتيثاق وثبوته في الذميتين آكد في الاستيثاق بالحق والثانية : لا يبرأ إلا بالأداء لما ذكرناه ولأنه ضمان فلا يبرأ به المضمون عنه كالحي .
فصل : ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما وحكي عن مالك في إحدى الروايتين عنه أنه لا يطالب الضامن إلا إذا تعذر مطالبة المضمون عنه لأنه وثيقة فلا يستوفي الحق منها إلا عند تعذر استيفائه من الأصل كالرهن .
ولنا أن الحق ثابت في ذمة الضامن فملك مطالبته كالأصيل ولأن الحق ثابت في ذمتهما فملك مطالبة من شاء منهما كالضامنين إذا تعذرت مطالبة المضمون عنه ولا يشبه الرهن لأنه مال من عليه الحق وليس بذي ذمة يطالب إنما من عليه الدين ليقضى منه أو من غيره