قال : ومن أونس منه رشد دفع إليه ماله إذا كان قد بلغ .
مسألة : قال أبو القاسم C : ومن أونس منه رشد دفع إليه ماله إذا كان قد بلغ .
الكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة .
أحدها : في وجوب دفع المال إلى المحجور عليه إذا رشد وبلغ وليس فيه اختلاف بحمد الله تعالى قال ابن المنذر اتفقوا على ذلك وقد أمر الله تعالى به في نص كتابه بقول سبحانه : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } لو أن الحجر عليه إنما كان لعجزه عن التصرف في ماله على ووجه المصلحة حفظا لما له عليه وبهذين المعنيين يقدر على التصرف ويحفظ ماله فيزول الحجر لزوال سببه ولا يعتبر في زوال الحجر عن المجنون إذا عقل حكم حاكم بغير خلاف ولا يعتبر ذلك في الصبي إذا رشد وبلغ وبهذا قال الشافعي وقال مالك لا يزول إلا بحاكم وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنه موضع اجتهاد ونظر فإنه يحتاج في معرفة البلوغ والرشد إلى اجتهاد فيوقف ذلك على حكم الحاكم كزوال الحجر عن السفيه ولنا أن الله تعالى أمر بدفع أموالهم إليهم عند البلوغ وإيناس الرشد فاشتراط حكم الحاكم زيادة تمنع الدفع عند وجوب ذلك بدون حكم الحاكم وهذا خلاف النص ولأنه حجر بغي حكم حاكم فيزول بغير حكمه كالحجر على المجنون وبهذا فارق السفيه وقد ذكر أبو الخطاب أن الحجر على السفيه يزول بزوال السفه والأول أولى فصار الحجر منقسما إلى ثلاثة أقسام : قسم بزوال بغير حكما حاكم وهو حجر المجنون وقسم لا يزول إلا بحاكم وهو حجر السفيه وقسم فيه الخلاف وهو حجر الصبي .
الفصل الثاني : أنه لا يدفع إليه ماله قبل وجود الأمرين البلوغ والرشد ولو صار شيخا وهذا قو أكثر أهل العلم قال ابن المنذر : أكثر علماء الأمصار من أهل الحجاز العراق والشام ومصر يرون الحجر على كل مضيع لماله صغيرا كان أو كبيرا وهذا قول القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وبه قال مالك و الشافعي و أبو يوسف و محمد وروى الجوزجاني في كتابه قال : كان القاسم بن محمد يلبي أمر شيخ من قريش ذي أهل ومال فلا يجوز له أمر في ماله ودنه لضعف عقله : قال ابن إسحاق : رأيته شيخا يخضب وقد جاء أبو القاسم بن محمد فقال يا أبا محمد ادفع إلي مالي فإن لا يولي على مثلي فقال إنك فاسد فقال امرأته طالق البتة وكل مملوك له حر إن تدفع إلي مالي فقال له القاسم بن محمد وما يحل لنا أن ندفع إليك مالك على حالك هذه فبعث إلى امرأته وقال هي مرة مسلمة وما كنت لاحبسها عليك وقد فهمت بطلاقها فأرسل إلهيا فأخبرها ذلك وقال أما رقيقك فلا عتق لك ولا كرامة فحبس رقيقه قال ابن إسحاق ما كان يعاب على رجل إلا سفهه وقال أبو حنيفة لا يدفع ماله إليه قبل خمس وعشرين سنة وإن تصرف نفذ تصرفه فإذا بلغ خمسا وعشرين سنة فك عنه الحجر ودفع إليه ماله لقول الله تعالى : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده } وهذا قد بلغ أشده ويصلح أن يكون جدا ولأنه حر بالغ عاقل مكلف فلا يجوز عليه كالرشيد .
ولنا قول الله تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } علق الدفع على شرطين والحكم المعلق على شرطين لا يثبت بدونهما وقال الله تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } يعني أموالهم وقول الله تعالى { فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل } فأثبت الولاة على السفيه ولأنه مبذر لماله فلا يجوز دفعه إليه كمن له دون ذلك وأما الآية التي أحتج بها فإنما تدل بدليل خطابها وهو لا يقو به ثم هي مخصصة فيما قبل خمس وعشرين سنة بالإجماع لعلة السفه وهو موجود بعد خمس وعشرين فيجب أن تخص به أيضا كما إنها لما خصصت في حق المجنون لأجل جنونه قبل خمس وعشرين خصت أيضا بعد خمس وعشرين وما ذكرناه من المنطوق أولى مما استدل به من المفهوم المخصص وما ذكروه من كونه جدا ليس تحته معنى يقتضي الحكم ولا له أصل يشهد له في الشرع فهو إثبات للحكم بالتحكم ثم هو متصور فيمن لم دون هذا السن فإن المرأة تكون جدة لاحدى وعشرين سنة وقياسهم منتقض بمن له دون خمس وعشرين سنة وما أوجب الحجرة قبل خمس وعشرين يوجبه بعدها إذا ثبت هذا فإنه لا يصح تصرفه ولا إقراره وقال أبو حنيفة يصح بيعه وإقراره وإنما لا يسلم إليه ماله لأن البالغ عند لا يحجر عليه وإنما منع تسليم ماله إيه للآية وقال أصحابنا في إقراره يلزمه بعد فك الحجر عنه إذا كان بالغا ولنا أنه لا يدفع إليه ماله لعدم رشده فلا يصح تصرفه وإقراره كالصبي والمجنون ولأنه إذا نفذ تصرفه وإقراره تلف ماله ولم يفد منعه من ماله شيئا ولأن تصرفه لو كان نافذا لسلم إليه ماله كالرشيد فإنه إنما يمنع ماله حفظا له فإذا لم يتحفظ بالمنع وجب تسليمه إليه بحكم الأصل .
الفصل الثالث في البلوغ : ويحصل في حق الغلام والجارية باحد ثلاثة أشياء وفي حق الجارية بشيئين يختصان بها أما الثلاثة المشتركة بين الذكر والأنثى فأولها خروج المني من قبله وهو الاء الدافق الذي يخلق منه الولد فكيفما خرج من يقظة أو منام بجماع أو احتلام أو غير ذلك حصل به البلوغ لا نعلم في ذلك اختلافا لقول الله تعالى : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا } - وقوله - { والذين لم يبلغوا الحلم منكم } وقول النبي A [ رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم ] وقوله عليه السلام لمعاذ : [ خذ من كل حالم دينارا ] رواهما أبو داود قال ابن المنذر : وأجمعوا على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل وعلى المرأة بظهور الحيض منها وأما الانبات فهو أن ينبت الشعر الخشن حول ذكر الرجل أو فرج المرأة الذي استحق أخذه بالموسى وأما الزغب الضعيف فلا اعتبرا به فإنه يثبت في حق الصغير وبهذا قال مالك والشافعي في قول وقال في الآخر وهو بلوغ في حق المشركين وهل هو بلوغ في حق المسلمين ؟ فيه قولان وقال أبو حنيفة لا اعتبار به لأنه نبات شعر فأشبه نبات شعر سائر البدن ولنا أن النبي A لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة حكم بأن تقتل مقاتلهم وتسبى ذراريهم وأمر أن يكشف عن مؤتزرهم فمن أنبت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت ألحقوه بالذرية وقال عطية القرظي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسل يوم قريظة فشكوا في فأمر النبي A أن ينظر إلي هل أنبت بعد ؟ فنظروا إلي فلم يجدوني أنبت بعد فالحقوني بالذرية متفق على معناه وكتب عمر Bه إلى عامله أن لا تأخذ الجزية إلا ممن جرت عليه المواسي وروى محمد بن يحيى بن حبان أن غلاما من الأنصاب شبب بامرأة في شعره فرفع إلى عمر فلم يجده أنبت قال : لو أنبت الشعر لحددتك ولأنه خارج يلازمه البلوغ غالبا ويستوي فيه الذكر والأنثى فكان علما على البلوغ كالاحتلام ولأن الخارج ضربان متصل ومنفصل فلما كان من المنفصل ما يثبت به البلوغ كذلك المتصل وما كان بلوغا في حق المشركين كان بلوغا في حق المسلمين كالاحتلام والسن وأما السن فإن البلوغ به في الغلام والجارية بخمس عشرة سنة وبهذا قال الأوزاعي و الشافعي و أبو يوسف و محمد وقال داود لا حد للبلوغ من السن لقوله عليه السلام [ رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم ] وإثبات البلوغ بغيره يخالف الخبر وهذا قول مالك وقال أصحابه سبع عشرة أو ثماني عشرة وروي عن أبي حنيفة في الغلام روايتان إحداهما : سبع عشرة والثانية : ثماني عشرة والجارية سبع عشرة بكل حال لأن الحد لا يثبت إلا بتوقيت أو اتفاق ولا توقيف في هذا ولا اتفاق .
ولنا [ أن ابن عمر قال : عرضت على رسول الله A وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني في القتال وعرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة فأجازني ] متفق عليه وفي لفظ [ عرضت عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فردني ولم يرني بلغت وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني ] فأخبر بهذا عمر بن عبد العزيز فكتب إلى عماله أن لا تفرضوا إلا لمن بلغ خمس عشرة رواه الشافعي في مسنده ورواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وروي عن أنس [ أن النبي A قال : إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأخذت منه الحدود ] ولأن السن معنى يحصل به البلوغ يشترك فيه الغلام والجارية فاستويا فيه كالإنزال وما ذكره أصحاب أبي حنيفة ففيما رويناه جواب عنه وما احتج به داود لا يمنع إثبات البلوغ بغير الاحتلام إذا ثبت بالدليل ولهذا كان انبات الشعر علما عليه وأما الحيض فهو علم على البلوغ لا نعلم فيه خلا وقد [ قال النبي A لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ] رواه الترمذي وقال حديث حسن وأما الحمل فهو علم على البلوغ لأن الله تعالى أجرى العادة أن الولد لا يخلق إلا من ماء الرجل وماء المرأة قال الله تعالى : { فلينظر الإنسان مم خلق * خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب } وأخبر النبي A بذلك الأحاديث فمتى حملت حكم ببلوغها في الوقت الذي حملت فيه