تقسيم مال المفلس بين غرمائه .
فصل : وإذا اجتمع مال المفلس قسم بين غرمائه فإن كانت ديونهم من جنس الأثمان أخذوها وإن كان فيهم من دينه من غير جنس الأثمان كالقرض بغير الأثمان فرضي أن يأخذ عوض حقه من الأثمان جاز وإن امتنع وطلب جنس حقه ابتيع له بحصته من جنس دينه ولو أراد الغريم الأخذ من المال المجموع وقال المفلس : لا أوفيك إلا من جنس دينك قدم قوله لأن هذا على سبيل المعاوضة فلا يجوز إلا بتراضيهما عليه وإن كان فيهم من له دين من سلم لم يجز أن يأخذ إلا من جنس حقه وإن تراضيا على دفع عوضه لأن ما في الذمة من السلم لا يجوز أخذ البدل عنه لقول A : [ من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره ] .
فصل : وإذا فرق مال المفلس وبقيت عليه بقية وله صنعة فهل يجبره الحاكم على إيجار نفسه ليقضي دينه ؟ على روايتين إحداهما : لا يجبره وهو قول مالك و الشافعي لقول الله تعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } ولما روى أبو سعيد [ أن رجلا أصيب في ثمار ابتاعها وكثر دينه فقال النبي A : تصدقوا عليه فتصدقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه فقال النبي A : خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك ] رواه مسلم ولأن هذا تكسب للمال فلم يجبره عله كقبول الهبة والصدقة وكما لا تجبر المرأة على التزويج لتأخذ المهر والثانية : يجبر على الكسب وهو قو عمر بن عبد العزيز وسوار العنبري وإسحاق لأن النبي A باع ساقا في دينه وكان سرق رجلا دخل المدينة وذكر أن وراءه مالا فدايته الناس فركبته ديون ولم يكن وراءه مال فسماه سرقا وباعه بخمسة ابعرة والحر لا يباع ثبت أنه باع منافعه ولأن المنافع تجري مجرى الأعيان في صحة العقد عليها وتحريم أخذ الزكاة وثبوت الغنى بها فكذلك في وفاء الدين منها ولأن الاجارة عقد معاوضة فجاز إجباره عليها كبيع ماله في وفاء الدين منها ولأنه إجارة لما يملك إجارته فيجبر عليها في وفاء دينه كإجارة أم ولده ولأن قادر على وفاء دينه فلزمه كمال ما يقدر على الوفاء منه فإن قيل حديث سرق منسوخ بدليل أن الحر لا يباع والبيع وقع على رقبته بدليل أن في الحديث أن الغرماء قالوا لمشتريه ما تصنع به ؟ قال : أعتقه قالوا : لسنا بأزهد منك في إعتاقه قلنا هذا إثبات النسخ بالاحتمال لا يجوز ولم يثبت أن يبع الحر كان جائزا في شريعتنا وحمل لفظ بيعه على بيع منافعه أسهل من حمله على بيع رقبته المحرم فإن حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه سائغ كثير في القرآن وفي كلام العرب كقوله تعالى : { وأشربوا في قلوبهم العجل } { ولكن البر من آمن بالله } { واسأل القرية } وغير ذلك وكذلك قوله اعتقه أي من حقي عليه وكذلك قال فاعتقوه يعني الغرماء وهم لا يملكون إلا بالدين الذي عليه وأما قوله تعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } فيتوجه منع كونه داخلا تحت عمومها فإن هذا في حكم الأغنياء في حرمان الزكاة وسقوط نفقته عن قريبه ووجوب نفقة قريبه عليه وحديثهم قضية عي لا يثبت حكمها إلا في مثلها ولم يثبت أن لذلك الغريم كسبا يفضل عن قدر نفقته وأما قبول الهبة والصدقة ففيه منه ومعرة تأباها قلوب ذوي المروءات بخلاف مسألتنا إذا ثبت هذا فلا يجبر على الكسب إلا من في كسبه فضلة عن نفقته ونفقة من يمونه على ما تقدم ذكره