قال : ولا تباع داره التي لا غنى له عن سكناها .
مسألة : قال : ولا تباع داره التي لا غنى له عن سكناها .
وجملته أن المفلس إذا حجر عليه باع الحاكم ماله ويستحب أن يحضر المفلس البيع لمعان أربعة أحدهما : ليحصى ثمنه ويضبطه الثاني : أنه اعرف بثمن متاعه وجيده ورديئه فإذا تكلم عليه وعرف الغبن من غيره الثالث : أن تكثر الرغبة فيه فإن شراءه من صاحبه أحب إلى المشتري الرابع : أن ذلك أطيب لنفسه وأسكن لقلبه ويستحب إحضار الغرماء أيضا لأمور أحدها : أنه يباع لهم الثاني : أهم ربما رغبوا في شراء شيء منه فزادوا في ثمنه فيكون أصلح لهم وللمفلس الثالث : أنه أطيب لقلوبهم وأبعد من التهمة الرابع : أنه ربما كان فيهم من يجد عين ماله فيأخذها فإن لم يفعل وباعه من غير حضورهم كلهم جاز لأن ذلك موكول إليه ومفوض إلى اجتهاده وربما اداه اجتهاده إلى خلاف ذلك وبانت له المصلحة في المبادرة إلى البيع قبل إحضارهم ويأمرهم الحاكم أن يقيموا مناديا ينادي لهم على المتاع فإن تراضوا برجل ثقة أمضاه الحاكم وإن اتفقوا على غير ثقة رده فإن قيل فلم يرده وأصحاب الحق قد اتفقوا عليه فأشبه ما لو اتفق الراهن والمرتهن على أن يبيع الرهن غير ثقة لم يكن للحاكم الاعتراض ؟ قلنا لأن للحاكم ههنا نظرا واجتهادا فإنه قد يظهر غريم آخر فيتعلق حقه به فلهذا نظر فيه بخلاف الرهن فإنه لا نظر للحاكم فيه فإن اختار المفلس رجلا واختار الغرماء آخر أقر الحاكم الثقة منهما فإن كانا ثقتين قدم المتطوع منهما لأنه أوفر فإن كانا متطوعين ضم أحدهما إلى الآخر وإن كانا بجعل قدم أعرفهما وأوثقهما فإن تساويا قدم من يرى منهما فإن وجد متطوعا بالنداء وإلا دفعت الأجرة من ماله المفلس لأن البيع حق عليه لكونه طريق وفاء دينه وقيل يدفع من بيت المال لأنه من المصالح وكذلك الحكم في أجر من يحفظ المتاع والثمن وأجر الحمالين ونحوهم ويستحب بيع كل شيء في سوقه : البز في البزازين والكتب في سوقها ونحو ذلك ولأنه أحوط وأكثر لطلابه ومعرفة قيمته فإن باع في غير سوقه بثمن مثله جاز لأن الغرض تحصيل الثمن وربما أدى الاجتهاد إلى أن ذلك أصلح ولذلك لو قال : بع ثوبي في سوق كذا بكذا فباعه بذلك في سوق آخر جاز ويبيع بنقد البلد لأنه أوفر فإن كان في البلد نقود باع بغالبها فإن تساوت باع بجنس الدين وإن زاد في السلعة زائدة في مدة الخيار لزم الأمين الفسخ لأنه أمكنه بيعه بثمن فلم يجز بيعه بدونه كما ول زيد فيه قبل العقد وإن زاد بعد لزوم العقد استحب للأمين سؤال المشتري الإقالة واستحب للمشتري الإجابة إلى ذلك لتعلقه بمصلحة المفلس وقضاء دينه فيبدأ ببيع العبد الجاني فيدفع إلى المجني عليه أقل الأمرين من ثمنه أو أرش جنايته وما فضل منه زده إلى الغرماء ثم ببيع الرهن فيدفع إلى المرتهن قدر دينه وما فضل من ثمنه رده إلى الغرماء وإن بقيت من دين بقية ضرب بها مع الغرماء ثم يبيع ما يسرع إليه الفساد من الطعام الرطب لأن بقاءه يتلفه بيقين ثم يبيع الحيوان لأنه معرض للإتلاف ويحتاج إلى مؤنة في بقائه ثم يبيع السلع والأثاث لأنه يخاف عليه تناله الأيدي ثم العقار آخرا لأنه لا يخاف تلفه وبقاؤه أشهره له وأكثر لطلابه ومتى باع شيئا من ماله وكان الدين لواحد وحده دفعه إليه لأنه لا حاجة إلى تأخيره وإن كان له غرماء فأمكن قسمته عليهم قسم ولم يؤخر وإن لم يمكن قسمته أودع عند ثقة إلى أن يجتمع ويمكن قسمته فيقسم وإن احتاج في حفظه إلى غرامة دفع ذلك إلى من يحفظه إذا ثبت هذا عدنا إلى مسألة الكتاب فنقول لا تابع داره التي لا غنى له عن سكناها وبهذا قال أبو حنيفة و إسحاق وقال شريح و مالك و الشافعي : يباع ويكتري له بدلها واختاره ابن المنذر لأن النبي A قال في الذي أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال لغرمائه : خذوا ما وجدتم وهذا مما وجدوه ولأن عين مال المفلس فوجب صرفه دينه في كسائر ماله .
ولنا أن هذا مما لا غنى للمفلس عنه فلم يصرف في دينه كثيابه وقوته والحديث قضية في عين ويحتمل أنه لم يكن له عقار ولا خادم ويحتمل [ أن النبي A قال : خذوا ما وجدتم ] مما تصدق به عليه فإن المذكور قبل ذلك كذلك روي [ أن النبي A قال : تصدقوا عليه فتصدقوا عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال النبي A : خذوا ما وجدتم ] أي مما تصدق به عليه والظاهر أنه لم يتصدق عليه بدار وهو محتاج إلى سكناها ولا خادم وهو محتاج إلى خدمته ولأن الحديث مخصوص بثياب المفلس وقوته فنقيس عليه محل النزاع وقياسهم منتقض بذلك أيضا وبأجر المسكن وسائر ماله يستغني عنه بخلاف مسألتنا