عند الاختلاف في قدر الرهن يكون القول قول الراهن وفروع في الاختلاف في قدر الدين والرهن وغيرهما .
فصل : وإن اختلفا في قدر الرهن فقال : رهنتك هذا العبد فقال : بل هو والعبد الآخر فالقول قول الراهن لأنه منكر ولا نعلم في هذا خلافا وإن قال : رهنتك هذا العبد قال : بل هذه الجارية خرج العبد من الرهن لاعتراف المرتهن بأنه لم يرهنه وحلف الراهن على أنه ما رهنه الجارية وخرجت من الرهن أيضا وإن اختلفا في رد الرهن إلى الراهن فالقول قوله أيضا لأنه منكر والأصل معه وكذلك الحكم في المستأجر إذا ادعى رد العين المستأجرة وقال أبو الخطاب : يتخرج فيهما وجه آخر أن القول قول المرتهن والمستأجر في الرد بناء على المضارب والوكيل بجعل إذا ادعيا الرد فإن فيهما وجهين والفرق بينهما وبين المرتهن أن المرتهن قبض العين لينتفع بها وكذلك المستأجر والوكيل قبض العين لينتفع بالجعل لا بالعين والمضارب قبضها لينتفع بربحها لا بها وإن اختلفا في تلف العين فالقول قول المرتهن مع يمينه لأن يده يد أمانة ويتعذر عليه إقامة البينة على التلف فقبل قوله فيه كالمودع .
فصل : فإن قال : بعتك هذا الثوب على أن ترهنني بثمنه عبديك هذين قال : بل على أن أرهنك هذا وحده ففيها روايتان حكاهما القاضي إحداهما : يتحالفان لأنه اختلف في البيع فهو كالاختلاف في الثمن والثانية : القول قول الراهن لأنه منكر لشرط رهن العبد الذي اختلفا فيه والقول قول المنكر وهذا أصح .
فصل : وإن قال : أرسلت وكيلك فرهنني عبدك على عشرين قبضها قال : ما أمرته برهنه إلا بعشرة ولا قبضت إلا عشرة سئل الرسول فإن صدق الراهن فعليه اليمين أنه ما رهنه إلا بعشرة ولا قبض إلا عشرة ولا يمين على الراهن لأن الدعوى على غيره فإذا حلف الوكيل برئا جميعا وإن نكل فعليه العشرة المختلف فيها ولا يرجع بها على أحد لأنه يصدق في أنه ما أخذها ولا أمره بأخذها وإنما المرتهن ظلمه وإن صدق الوكيل المرتهن وادعى أنه سلم العشرين إلى الراهن فالقول قول الراهن مع يمينه فإن نكل قضي عليه بالعشرة ويدفع إلى المرتهن إلى المرتهن وإن حلف برئ وعلى الرسول غرامة العشرة للمرتهن لأنه يزعم أنها حق له وإنما الراهن ظلمه وإن عدم الرسول أو تعذر احلافه فعلى الراهن اليمين أنه ما أذن في رهنه إلا بعشرة ولا قبض أكثر منها ويبقي الرهن بالعشرة الأخرى .
فصل : إذا كان على رجل ألفان أحدهما برهن والآخر بغير رهن فقضى ألفا وقال : قضيت دين الرهن وقال المرتهن : بل قضيت الدين الآخر فالقول قول الراهن مع يمينه سواء اختلفا في نية الراهن بذلك أو في لفظه لأنه أعلم بنيته وصفة دفعه ولأنه يقول أن الدين الباقي بلا رهن والقول قوله في أصل الرهن فكذلك في صفته وإن أطلق القضاء ولم ينو شيئا فقال أبو بكر : له صرفها إلى أيهما شاء كما لو كان له مال حاضر وغائب فأدى قدر زكاة أحدهما كان له أن يعين عن أي المالين شاء وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم : يقع الدفع عن الدينين معا عن كل واحد منهما نصفه لأنهما تساويا في القضاء فتساويا في وقوعه عنهما فأما إن أبرأه المرتهن من أحد الدينين واختلفا فالقول قول المرتهن على التفصيل الذي ذكرناه في الراهن ذكره أبو بكر .
فصل : وإذا اتفق المتراهنان على قبض العدل للرهن لزم الرهن في حقهما ولم يضر إنكاره لأن الحق لهما وإن قال أحدهما : قبضه العدل فأنكر الآخر فالقول قول المنكر كما لو اختلفا في قبض المرتهن له ولو شهد العدل بالقبض لم تقبل شهادته لأنها شهادة الوكيل لموكله .
فصل : إذا كان في يد رجل عبد فقال : رهنتني عبدك هذا بألف فقال : بل غصبته أو استعرته فالقول قول السيد سواء اعترف بالدين أو جحده لأن الأصل عدم الرهن وإن قال السيد : بعتك عبدي هذا بألف قال : بل رهنته عندي بها فالقول قول كل واحد منهما في العقد الذي ينكره ويأخذ السيد عبده وهكذا لو قال : رهنتكه بألف أقرضتنيه قال : بل بعتنيه بألف قبضته مني ثمنا فكذلك ويرد صاحب العبد الألف ويأخذ عبده .
فصل : وإذا ادعى على رجلين فقال : رهنتماني عبدكما بديني عليكما فأنكره فالقول قولهما فإن شهد كل واحد منهما على صاحبه قبلت شهادته إذا كان عدلا وللمرتهن أن يحلف مع كل واحد منهما ويصير جميعه رهنا أو يحلف مع أحدهما ويصير نصيب الآخر رهنا وإن أقر أحدهما ثبت في حقه وحده وإن شهد المقر على المنكر قبلت شهادته إن كان عدلا لأنه لا يجلب لنفسه نفعا ولا يدفع عنها ضررا وبهذا قال أصحاب الشافعي وقال بعضهم : إذا أنكرا جميعا ففي شهادتهما نظر لأن المشهود له يدعي أن كل واحد منهما ظالم له بجحوده حقه من الرهن فإذا طعن المشهود له في شهوده لم تقبل شهادتهما له قلنا لا يصح هذا فإن إنكار الدعوى لا يثبت به فسق المدعى عليه وإن كان الحق عليه الجواز أن ينسى أو تحلقه شبهة فيما يدعيه أو ينكره وكذلك لو تداعى رجلان شيئا وتخاصما فيه ثم شهدا عند الحاكم بشيء لم ترد شهادتهما وإن كان أحدهما كاذبا في مخالفته لصاحبه ولو ثبت الفسق بذلك لم يجز قبول شهادتهما جميعا مع تحقق الجرح في أحدهما .
فصل : وإذا رهن عينا عند رجلين فنصفها رهن عند كل واحد منهما بدينه ومتى وفي أحدهما خرجت حصته من الرهن لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة عقدين فكأنه رهن كل واحد منهما النصف مفردا فإن أراد مقاسمه المرتهن وأخذ نصيب من وفاه وكان الرهن مما لا تنقصه القسمة كالمكيل والموزون لزم ذلك وإن كان مما تنقصه القسمة لم تجب قسمته لأن على المرتهن ضررا في قسمته ويقر في يد المرتهن نصفه رهن نصفه وديعة وإن رهن اثنان عبدهما عند رجل فوفاه أحدهما انفك الرهن في نصيبه وقد قال أحمد في رواية مهنا : في رجلين رهنا دارا لهما عند رجل على ألف فقضاه أحدهما ولم يقض الآخر فالدار رهن على ما بقي وقال أبو الخطاب في رجل رهن عبده رجلين فوفى أحدهما فجميعه رهن عند الآخر حتى يوفيه وهذا من كلام أحمد وأبي الخطاب محمول على أنه ليس لراهن مقاسمه المرتهن لما عليه من الضرر لا بمعنى أن العين كلها تكون رهنا إذ لا يجوز أن يقال إنه رهن نصف العبد عند رجل فصار جميعه رهنا ولو رهن اثنان عبدا لهما عند اثنين بألف فهذه أربعة عقود ويصير كل ربع من العبد رهنا بمائتين وخمسين فمتى قضاها من هي عليه انفك من الرهن ذلك القدر قاله القاضي وهو الصحيح .
فصل : ولو ادعى رجلان على رجل أنه رهنهما عبده وقال كل واحد منهما : رهنه عندي دون صاحبي فأنكرهما جميعا فالقول قوله مع يمينه وإن أنكر أحدهما وصدق الآخر سلم إلى من صدقه وحلف كان في وإن قال : لا أعلم عين المرتهن منهما حلف على ذلك والقول قول من هو في فيه منهما مع يمينه وإن كان في أيديهما حلف وكل واحد منهما على نصفه وصار رهنا عنده وإن كان في يد غيرهما أقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذه كما لو ادعيا ملكه ولو قال : رهنته عند أحدهما ثم رهنته للآخر ولا أعلم السابق منهما فكذلك وإن قال هذا هو السابق بالعقد والقبض سلم إليه وحلف للأخر وإن نكل والعبد في يد الأول أو يد غيره فعليه قيمته للثاني كما لو قال : هذا العبد لزيد وغصبته من عمرو فإنه يسلم إلى زيد ويغرم قيمته لعمرو وإن نكل والعبد في يد الثاني أقر في يده وغرم قيمته للأول أقر له بعد ما فعل ما حال بينه وبين من أقر له فلزمته قيمته كما قلنا وقال القاضي : إذا اعترف به لغير من هو في يده فهل يرجح صاحب اليد أو المقر له ؟ على وجهين : ولو اعترف لأحدهما وهو في يديهما ثبتت يد المقر له وفي النصف الآخر وجهان .
فصل : إذا أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن بعد حلول الحق جاز وتعلق حقه بتمنه وإن أذن له قبل حلوله مطلقا فباعه بطل الرهن ولم يكن عليه عوضه لأنه أذن له فيما ينافي حقه فأشبه ما لو أذن في عتقه وللمالك أخذ ثمنه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومحمد : يكون الثمن رهنا لأن الراهن باع الرهن بإذن المرتهن فوجب أن يثبت حقه فيه كما لو حل الدين قال الطحاوي : حق المرتهن متعلق بعين الرهن والثمن بدله فوجب أن يتعلق به كما لو أتلفه متلف ولنا أنه تصرف يبطل حق المرتهن من عين الرهن لا يملكه المرتهن فإذا أذن فيه أسقط حقه كالعتق ويخالف ما بعد الحلول لأن المرتهن يستحق البيع ويخالف الإتلاف لأنه غير مأذون فيه من جهة المرتهن فإن قال : إنما أردت بإطلاق الإذن أن يكون ثمنه رهنا لم يلتفت إلى دعواه لأن إطلاق الإذن يقتضي بيعا يفسخ الرهن وبهذا قال الشافعي وإن أذن فيه بشرط أن يجعل ثمنه مكانه رهنا أو يجعل له دينه من ثمنه جاز ولزم دلك وإن اختلفا في الإذن فالقول قول المرتهن لأنه منكر وإن أذن في البيع واختلفا في شرط جعل ثمنه رهنا أو تعجيل دينه منه فالقول قول الراهن لأن الأصل عدم الشرط ويحتمل أن يكون القول قول المرتهن لأن الأصل بقاء الوثيقة وإن أذن الراهن في البيع ثم رجع قبل البيع فباعه المرتهن بعد العلم بالرجوع لم يصح بيعه وإن باعه بعد الرجوع وقبل العلم احتلم وجهين بناء على عزل الوكيل قبل علمه فإن اختلفا في الرجوع قبل البيع فقال القاضي : القول قول المرتهن أيضا لأن الأصل عدم الرجوع وعدم البيع قبل الرجوع فتعارض الأصلان وبقيت العين رهنا على ما كانت وبهذا كله قال الشافعي وهذا فيما لا يحتاج إلى بيعه فأما ما دعت الحاجة إلى بيعه كالذي خيف تلفه إذا في بيعه مطلقا تعلق الحق بثمنه لأن بيعه مستحق فأشبه ما بيع بعد حلول الدين