أذن المتعاقدين للعدل في بيع الرهن بنقد معين .
فصل : وإذا أذنا للعدل في البيع وعينا له نقدا لم يجز له أن يخافهما وإن اختلفا فقال أحدهما : بعد بدراهم وقال الآخر : بدنانير لم يقبل قول واحد منهما لأن لكل واحد منهما فيه حقا للراهن ملك اليمين وللمرتهن حق الوثيقة واستيفاء حقه ويرفع الأمر إلى الحاكم فيأمر من يبيعه بنقد البلد سواء كان من جنس الحق أو من غير جنسه وافق قول أحمد أولم يوافق لأن الحظ في ذلك والأولى أن يبيعه بما يرى الحظ فيه فإن كان في البلد نقدان باعه بأغلبهما فإن تساويا فقال القاضي : يبيع بما يؤديه اجتهاده إليه وهو قول الشافعي : لأنه الأحظ والغرض تحصيل الحظ فإن تساويا باع بجنس الدين فإن لم يكن فيها جنس الدين عين له الحاكم ما يبيعه به وحكمه حكم الوكيل في وجوب الاحتياط والمنع من البيع بدون ثمن المثل ومن البيع نساء متى خالف لزمه ما يلزم الوكيل المخالف وذكر في البيع نساء رواية أخرى أنه يجوز بناء على الوكيل ولا يصح لأن البيع ههنا الايفاء دين حال يجب تعجيله والبيع نساء يمنع ذلك وكذا نقل في الوكيل متى وجدت في حقه قرينة دالة على منع نساء لم يجز له ذلك وإنما الروايتان فيه عند انتفاء القرائن وكل موضع حكمنا بأن البيع باطل وجب رد المبيع إن كان باقيا فإن تعذر فللمرتهن تضمين من شاء من العدل والمشتري بأقل الأمرين من قيمة الرهن أو قدر الدين لأنه يقبض قيمة الرهن مستوفيا لحقه ولا رهنا فلذلك لم يكن له أن يقبض أكثر من دينه وما بقي من قيمة الرهن للراهن يرجع به على ما شاء منهما وإن استوفى دينه من الرهن رجع الراهن بقيمته على من شاء منهما ومتى ضمن المشتري لم يرجع على أحد لأن العين تلفت في يده وإن ضمن العدل رجع على المشتري .
فصل : ومتى قدرا له ثمنا لم يجز له بيعه بدونه وإن أطلقا فله بيعه بثمن مثله أو زيادة عليه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : له بيعه ولو بدراهم والكلام معه في الوكالة فإن أطلقا فباع بأقل من ثمن المثل مما يتغابن الناس به صح ولا ضمان عليه لأن ذلك لا يضبط غالبا وإن كان النقص مما لا يتغابن الناس به أو باع بأنقص مما قررا له صح البيع وضمن النقص كله ذكره أصحابنا والأولى أنه لا يصح البيع لأنه بيع لم يؤذن له فيه فأشبه ما لو خالف في النقد .
فصل : وإذا باع العدل الرهن بإذنهما وقبض الثمن فتلف في يده من غير تعد فلا ضمان عليه لأنه أمين فهو كالوكيل ولا نعلم في هذا خلافا ويكون من ضمان الراهن وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة و مالك : من ضمان المرتهن لأن البيع لأجله .
ولنا أنه وكيل الراهن في البيع والمثمن ملكه وهو أمين له في قبضه فإذا تلف كان من ضمان موكله كسائر الأمناء وإن ادعى التلف فالقول مع يمينه لأنه أمين ويتعذر عليه إقامة البينة على ذلك وإن كلفناه البينة شق عليها وربما أدى إلى أن لا يدخل الناس مع الأمانات فإن خالفاه في قبض الثمن فقالا قبضه من المشتري وادعى ذلك فيه كما لو أبرأه من غير الثمن وإن خرج المبيع مستحقا فالعهدة على الراهن دون العدل إذا كان قد أعلم المشتري أنه وكيل وكذلك كل وكيل باع مال غيره وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة : العهدة على الوكيل الكلام معه في الوكالة فإن علم المشتري بعد تلف الثمن في يد العدل رجع على الراهن ولا شيء على العدل فإن قيل فلم لا يرجع المشتري على العدل لأنه قبض الثمن بغير حق ؟ قلنا لأنه سلمه إليه على أنه أمين في قبضه يسلمه إلى المرتهن فلذلك لم يجب الضمان عليه فأما المرتهن فقد بان له أن عقد الرهن كان فاسدا فإن كان مشروطا في بيع ثبت له الخيار فيه وإلا سقط حقه فإن كان الراهن مفلسا حيا أو ميتا كان المرتهن والمشتري أسور الغرماء لأنهم متساوون في ثبوت حقهم في الذمة فاستووا في قسمة ماله بينهم فأما إن خرج مستحقا بعد ما دفع الثمن إلى المرتهن رجع المشتري على المرتهن وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يرجع على العدل ويرجع العدل على أيهما شاء من الراهن والمرتهن .
ولنا أن عين ماله صار إلى المرتهن بغير حق فكان رجوعه عليه كما لو قبضه منه فأما إن كان المشتري رده بعيب لم يرجع على المرتهن لأنه قبض الثمن بحق ولا على العدل لأنه أمين ووكيل ويرجع على الراهن وإن كان العدل حين باعه لم يعلم المشتري الرجوع ليعه ويرجع هو على الراهن إن أقر بذلك أو قامت به بينة وإن أنكر ذلك فالقول قول العدل مع يمنيه فإن نكل عن اليمين فقضى عليه بالنكول أو ردت اليمين على المشتري فحلف ورجع على العدل لم يرجع العدل على الراهن لأنه يقر أنه ظلمه وعلى قول الخرقي : القول في حدوث العيب قو المشتري مع يمينه وهو إحدى الروايتين عن أحد فإذا حلف المشتري رجع على العدل على الراهن وإن تلف العبد المبيع في يد المشتري ثم بان مستحقا قبل ورزن صمنه فللمغصوب منه تضمين من شاء من الغاصب والعد والمرتهن ويستقر الضمان على المشتري لأن التلف في يده هذا إذا علم بالغصب وإن لم يكن علاما فهل يستقر الضمان عليه أو على الغاصب ؟ على روايتين .
فصل : فإن ادعى العدل دفع الثمن إلى المرتهن فأنكره فقال القاضي وأبو الخطاب : يقبل قوله في حق الراهن ولا يقبل في حق المرتهن وهو مذهب الشافعي لأن العدل وكيل الراهن في الدفع الدين إلى المرتهن وليس بوكيل للمرتهن في ذلك إنما هو وكيله في الحفظ فقط فلم يقبل قوله عليه فيما ليس بوكيل له فيه كما لو وكل رجلا في قضاء دين فادعى أنه سلمه إلى صاحب الدين وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب في رؤوس مسائلهما : يقبل قوله على المرتهن في إسقاط الضمان عن نفسه ولا يقبل في إيجاب الضمان على غيره وهذا مذهب أبي حنيفة لأنه أمين فقبل قوله في إسقاط الضمان عن نفسه كالمودع يدعي رد الوديعة فعلى هذا إذا حلف العدل سقط الضمان عنه ولم يثبت عن المرتهن أنه قبضه وعلى القول الأول يحلف المرتهن ويرجع على من شاء منهما فإن رجع على العدل لم يرجع العدل على الراهن لأنه يقول ظلمني وأخذ مني بغير حق فلم يرجع على الراهن كما لو غصبه مالا آخر فإن رجع على الراهن فهل يرجع الراهن على العدل ؟ نظرت فإن كتان دفعه إلى المرتهن بحضرة الراهن أو ببينه فماتت أو غابت لم يرجع عليه لأنه أمين ولم يفرط في القضاء وإن دفعه إليه بغير بنيه في غيبة الراهن ففيه روايتان إحداهما : يرجع الراهن عليه لأنه مفرط في القضاء بغير ببنية فلزمه الضمان كما لو تفل الرهن بتفريطه ويحتمل أن يكون هذا معنى قول الخرقي ومن أمر رجلا أن يدفع وادعى أنه دفعه إليه لم يقبل قوله على الآمر إلا ببينة والرواية الثانية : لا يرجع الراهن عليه لأنه أمين عليه لأنه أمين في حقه سواء صدقه في القضاء أو كذبة إلا أنه إن كذبه فله عليه اليمين .
فصل : إذا غصب المرتهن الرهن من العدل ثم رده إليه زال عنه الضمان ولو كان الرهن في يد المرتهن فتعدى فيه ثم أزال التعدي أو سافر به ثم رده لم يزل عنه الضمان لأن استئمانه زال بذلك فلم يفسد بفعله مع بقائه في يده بخلاف التي قبلها فإنه رده غلى يد نائب مالكها فأشبه ما لو ردها إلى مالكها .
فصل : وإذا استقرض ذمي من مسلم مالا ورهنه خمرا لم يصح سواء جعله على يد ذمي أو غيره فإن باعها الراهن أو نائبه وجاء المقرض بثمنها لزمه قبوله فإن أتى قيل له أما أن تقبض وأما أن تبرئ لأن أهل الذمة إذا تقابضوا في العقود الفاسدة جرت مجرى الصحيحة قال عمر Bه في أهل الذمة معهم الخمر : ولوهم بيعها وخذوا من أثمانها وإن جعلها علي يد مسلم فباعها لم يجبر المرتهن على قبول الثمن لأن ذلك البيع فاسد لا يقران عليه ولا حكم له