والقبض فيه وجهين فإن كان مما ينقل قبض المرتهن له أخذه إياه وإن كان مما لا ينقل .
مسألة : قال : والقبض فيه من وجهين فإن كان مما ينقل فقبض المرتهن له أخذه إياه من راهنة منقولا وإن كان مما لا ينقل كالدور والأرضين فقبضه تخلية راهنة بينه وبين مرتهنه لا حائل دونه .
وجملة ذلك أن القبض في الرهن كالقبض في البيع والهبة فإن كان منقولا نقله أو تناوله وإن كان أثمانا أو شيئا خفيفا يمكن قبضه باليد فقبضه تناوله بها وإن كان مكيلا رهنه بالكيل أو موزونا رهنه بالوزن فقبضه اكتياله أو اتزانه لقول النبي A : [ إذا سميت الكيل فكل ] وإن ارتهن الصبرة جزافا أو كان ثيابا أو حيوانا فقبضه نقله لـ [ قول ابن عمر : كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا النبي A أن نبيعه حتى ننقله من مكانه ] متفق عليه وإن كان الرهن غير منقول كالعقار والثمرة على الشجرة فقبضه التخلية بين مرتهنه وبينه من غير حائل بأن يفتح له باب الدار أو يسلم إليه مفتاحها وإن خلى بينه وبنيها وفيها قماش للراهن صح التسليم لأن اتصالها بملك الراهن لا يمنع صحة التسليم كالثمرة في الشجرة وكذلك لو رهنه دابة عليها حمل للراهن فسلمها إليه صح التسليم ولو رهن الحمل وهو على الدابة وسلمها إليه بحملها صح القبض لأن القبض حصل فيهما جميعا فيكون موجودا في الرهن منهما .
فصل : وإن رهنه سهما مشاعا مما لا ينقل خلى بينه وبين سواء حضر الشريك أو لم يحضر وإن كان منقولا كالجوهرة يرهن نصفها فقبضها تناولها ولا يمكن تناولها إلا برضا الشريك فإن رضي الشريك تناولها وإن امتنع الشرك فرضي المرتهن والراهن بكونها في يد الشريك جاز وناب عنه في القبض وإن تنازع الشريك والمرتهن نصب الحاكم عدلا لا تكون في يده لهما وإن ناولها الراهن للمرتهن بغير رضا الشريك فتناولها فإن قلنا استدامة القبض شرط لم يكلفه ذلك تناول وإن قلنا ليس بشرط فقد حصل القبض لأن الرهن حصل في يده مع التعدي في غيره فأشبه ما لو رهنه ثوبا فسلمه إليه مع ثوب لغيره فتناولهما معا ولو رهنه ثوبا فاشتبه عليه بغيره فسلم إليه أحدهما لم يثبت القبض لأنه لا يعلم أنه أقبضه الرهن فإن تبين أنه الرهن تبين صحة التسليم وإن سلم إليه الثوبين معا حصل القبض لأنه قد تسلم الراهن يقينا .
فصل : ولو رهنه دارا فخلى بينه وبينها وهما فيها ثم خرج الراهن صح القبض وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يصح حتى يخلي بينه وبينها بعد خروجه منها ولأنه ما كان في الدار فيده عليها فما حصلت التخلية ولنا أن التخلية تصح بقوله مع التمكين منها وعدم المانع فأشبه ما لو كانا خارجين عنها ولا يصح ما ذكره ألا ترى أن خروج المرتهن منها لا يزيل يده عنها ودخوله إلى دار غيره لا يثبت يده عليها ولأنه بخروجه عنها محقق لقوله فلا معنى لإعادة التخلية .
فصل : وإن رهنه مالا له في يد المرتهن عارية أو وديعة أو غصبا أو نحوه صح الرهن لأنه مالك له تمكن قبضه فصح رهنه كما لو كان في يده وظاهر كلام أحمد لزوم الرهن بنفس العقد من غير احتياج إلى أمر زائد فإن قال إذا حصلت الوديعة في يده بعد الرهن فهو فلم يعتبر أمرا زائدا وذلك لأن اليد ثابته والقبض حاصل وإنما يتغير الحكم لا غير ويمكن تغير الحكم مع استدامة القبض كما لو طولب بالوديعة فجحدها لتغير الحكم وصارت مضمونه عليه من غير أمر زائد ولو عاد الجاحد فأقر بها وقال لصاحبها خذ وديعتك فقال دعها عندك وديعة كما كانت ولا ضمان عليك فيها لتغير الحكم من غير حدوث أمر زائد وقال القاضي وأصحاب الشافعي : لا يصير رهنا حتى تمضي مدة يتأتى قبضه فيها فإن كان منقولا فبمضي مدة يمكن نقله فيها وإن كان مكيلا فبمضي مدة يمكن اكتياله فيها وإن كان غير منقول فبمضي مدة التخلية وإن كان غائبا عن المرتهن لم يصر مقبوضا حتى يوافيه هو أو وكيله ثم تمضي مدة يمكن قبضه فيها لأن العقد يفتقر إلى القبض والقبض إنما يحصل بفعله أو بإمكانه ويكفي ذلك ولا يحتاج إلى وجود حقيقة القبض لأنه مقبوض حقيقة فإن تلف قبل مضي مدة يأتي قبضه فيها فهو كتلف الرهن قبل قبضه ثم هل يفتقر إلى الأذن من الراهن في القبض ؟ يحتمل وجهين أحدهما : يفتقر لأنه قبض يلزم به عقد لازم فلم يحصل بغير إذا كما لو كان في يد الراهن وإقراره في يده لا يكفي كما لو أقر المغصوب في يد غاصبه مع إمكان أخذه منه والثاني : لا يفتقر إلى إذن في القبض لأن إقراره له في يده بمنزلة في القبض فإن أذن له في القبض ثم رجع عنه قبل مضي مدة يتأتى القبض فيها لم يلزم الرهن حتى يعود فيأذن صم تمضي مدة يقبضه في مثلها