الرهن في الحضر والسفر وحكمه وأحواله .
فصل : ويجوز الرهن في الحضر كما يجوز في السفر قال ابن المنذر : لا نعلم أحدا خالف في ذلك إلا مجاهدا قال : ليس الرهن إلا في السفر لأن الله تعالى شرط السفر في الرهن بقوله تعالى : { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } ولنا أن النبي A اشترى من يهودي طعاما ورهنه درعه وكانا بالمدنية ولأنها وثيقة تجوز في السفر فجازت في الحضر كالضمان فأما ذكر السفر فإنه خرج مخرج الغالب لكون الكاتب يعدم في السفر غالبا ولهذا لم يشترط عدم الكاتب وهو مذكور معه أيضا .
فصل : والرهن غير واجب لا نعلم فيه مخالفا لأنه وثيقة بالدين فلم يجب كالضمان والكتابة وقول الله تعالى : { فرهان مقبوضة } إرشاد لنا لا إيجاب علينا بدليل قول الله تعالى : { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته } ولأنه أمر به عند اعواز الكتابة والكتابة غير واجبة فكذلك بدلها .
فصل : ولا يخلو الرهن من ثلاثة أحوال أحدها : أن يقع بعد الحق فيصح بالإجماع لأنه دين ثابت تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة به فجاز أخذها به كالضمان ولأن الله تعالى قال : { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } فجلعه بدلا عن الكتابة فيكون في محلها ومحلها بعد وجوب الحق وفي الآية ما يدل على ذلك وهو قوله : { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } فجعله جزاء للمداينة مذكورا بعدها بفاء التعقيب الحال الثاني : أن يقع الرهن مع العقد الموجب للدين فيقول بعتك ثوبي هذا بعشرة إلى شهر ترهنني بها عبدك سعدا فيقول قبلت ذلك فيصح أيضا وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي لأن الحاجة داعية إلى ثبوته فإنه لو لم يعقده مع ثبوت الحق ويشترطه فيه لم يتمكن من إلزام المشتري عقده وكانت الخيرة إلى المشتري والظاهر أنه لا يبذله فتفوت الوثيقة بالحق الحال الثالث : أن يرهنه قبل الحق فيقول رهنتك عبدي هذا بعشرة تقرضنيها فلا يصح في ظاهر المذهب وهو اختيار أبي بكر والقاضي وذكر القاضي أن أحمد نص عليه في رواية ابن منصور وهو مذهب الشافعي واختار أبو الخطاب أنه يصح فمتى قال رهنتك ثوبي هذا بعشرة تقرضنيها غدا وسلمه إلي ثم أقرضه الدراهم لزم الرهن وهو مذهب مالك و أبي حنيفة لأنه وثيقة بحق فجاز عقدها قبل وجوبه كالضمان أو فجاز انعقادها على شيء يحدث في المستقبل كضمان الدرك .
ولنا أنه وثيقة لا يلزم قبله فلم تصح قبله كالشهادة ولأن الرهن تابع للحق فلا يسبقه كالشهادة والثمن لا يتقدم البيع وأما الضمان فيحتمل أن يمنع صحته وإن سلمنا فالفرق بينهما أن الضمان التزام مال تبرعا بالقول فجاز من غير حق ثابت كالنذر بخلاف الرهن