ما يصح السلم فيه وما لا يصح .
فصل : ويصح المسلم في الخبز واللبأ ما أمكن ضبطه مما مسته النار وقال الشافعي : لا يصح السلم في معمول بالنار لأن النار تختلف ويختلف عملها ويختلف الثمن بذلك ولنا قوله عليه السلام : [ من أسلم فليسلم في كيل معلوم أو وزن معلوم ] فظهر هذا إباحة السلم في كل مكيل وموزون ومعدود ولأن عمل النار فيه معلوم بالعادة ممكن ضبطه بالنشافة والرطوبة فصح السلم فيه كالمجفف بالشمس فأما اللحم المطبوخ والشواء فقال القاضي : لا يصح السلم فيه وهو مذهب الشافعي لأن ذلك يتفاوت كثيرا وعادت الناس فيه مختلفة فلم يمكن ضبطه وقال بعض أصحابنا : يصح السلم فيه لما ذكرنا في الخبز واللبأ .
فصل : ويصح السلم في النشاب والنبل وقال القاضي : لا يصح السلم فيها وهو مذهب الشافعي لأنه يجمع اخلاطا من خشب وعقب وريش ونصل فجرى اخلاط الصيادلة ولأن فيه ريشا نجسا لأن ريشه من جوارح الطير ولنا أنه مما يصح بيعه ويمكن ضبطه بالصفات التي لا يتفاوت الثمن معها غالبا فصح السلم فيه كالخشب والقصب وما فيه من يغره متميز يمكن ضبطه والإحاطة به ولا يتفاوت كثيرا فلا يمنع كالثياب المنسوجة من جنسين وقد يكون الريش طاهرا وإن كان نجسا لكن يصح بيعه فلم يمنع السلم فيه كنجاسة البغل والحمار .
فصل : واختلفت الرواية في السلم في الحيوان فروي لا يصح السلم فيه وهو قول الثوري وأصحاب الرأي وروي ذلك عن عمر و ابن مسعود و حذيفة و سعيد بن جبير و الشعبي و الجوزجاني لما روي عن عمر بن الخطاب Bه أنه قال : أن من الربا أبوابا لا تخفي وإن منها السلم في السن ولأن الحيوان يختلف اختلاف متباينا فلا يمكن ضبطه وإن استقصى صفاته التي تختلف بها الثمن - مثل أزج الحاجبين أكحل العينين أقنى الأنف أشم العرنين أهدب الأشفار ألمى الشفة بديع الصفة تعذر تسليمه لندرة وجوده على تلك الصفة وظاهر المذهب صحة السلم فيه نص عليه في رواية الأثرم قال ابن المنذر : وممن روينا عنه أنه لا بأس بالسلم في الحيوان ابن مسعود وابن عباس وابن عمر و سعيد بن المسيب و الحسن و الشعبي و مجاهد و الزهري و الأوزعي و الشافعي و إسحاق و أبو ثور وحكاه الجوزجاني عن عطاء والحكم لأن أبا رافع قال : [ استسلف النبي A من رجل بكرا ] رواه مسلم و [ روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : أمرني رسول الله A أن ابتاع البعير بالبعيرين وبالابعرة إلى مجيء الصدقة ] وقد ذكرنا هذا الحديث في باب الربا ولأنه ثبت في الذمة صداقا فثبت في السلم كالثياب فأما حديث عمر فلم يذكره أصحاب الاختلاف ثم هو محمول على أنهم يشترطون من ضراب فحل بني عفلان قال الشعبي : إنما كره ابن مسعود السلف في الحيوان لأهم اشترطوا نتاج فحل معلوم رواه سعيد وقد روي عن علي أنه باع جملا له يدعى عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل ولو ثبت قول عمر في تحريم السلم في الحيوان فقد عارضه قول سمينا ممن وافقنا .
فصل : واختلفت الرواية في غر الحيوان مما لا يكال ولا يوزن ولا يزرع فنقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد أنه قال : لا أرى السلم إلا فيما يكال أو يوزن أو يوقف عليه قال أبو الخطاب : معناه يوقف عليه بحد معلوم لا يختلف كالزرع فأما الرمان والبيض فلا أرى السلم فيه وحكى ابن المنذر عنه وعن إسحاق أنه لا خير في السلم في الرمان والسفرجل والبطيخ والقثاء والخيار لأنه لا يكال ولا يوزن ومنه الصغر والكبير فعلى هذا الرواية لا يصح السلم في كل معدود مختلف كالذي سميناه وكالبقول لأنه يختلف ولا يمكن تقدير البقل بالحزم لأن الحزم يمكن في الصغير والكبير فلم يصح السلم فيه كالجواهر ونقل إسماعيل بن سعي وبان منصور جواز السلم في الفواكه والسفرجل والرمان والموز والخضراوات ونحوها لأن كثيرا من ذلك مما يتقارب وينبضبط بالصغر والكبر وما لا يتقارب ينبضط بالوزن كالبول ونحوها فصح السلم فيه كالمزروع وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي و الاوزاعي وحكى ابن المنذر عن الشافعي المنع من السلم في البيض والجوز ولعل هذا قول آخر فيكون له في ذلك قولان .
فصل : فأما السلم في الرؤوس والأطراف فيخرج في صحة السلم فيها الخلاف الذي ذكرنا وللشافعي فيها قولان أيضا كالروايتين أحدهما : يجوز وهو قول مالك و الأوزاعي و أبي ثور لأنه لحم فيه عظم يجوز شراؤه فجاز السلم فيه كبقية اللحم والآخرة : لا يجوز وهو قول أبي حنيفة لأن أكثره العظام والمشافر واللحم فيه قليل وليس بموزون بخلاف اللحم فإن كان مطبوخا أو مشويا فقال الشافعي : لا يصح السلم فيه وهو قياس قول القاضي لأنه يتناثر ويتلف وعلى قول غير القاضي من أصحابنا حكم ما مسته النار من ذلك حكم يغره وبه قال مالك و الأوزاعي و أبو ثور والعقد يقتضيه سليما من التأثر والعادة في طبخه تتفاوت فأشبه غيره .
فصل : وفي الجلود من الخلاف مثل ما في الرؤوس والأطراف وقال الشافعي : لا يصح السلم فيه لأنها تختلف فالورك ثخين قوي والصدر ثخين رخو والبطن رقيق ضعيف والظهر أقوى فيحتاج إلى وصف كل موضع منه ولا يمكن ذرعه لاختلاف أطرافه .
ولنا أن التفاوت في ذلك معلوم فلم يمنع صحة السلم فيه كالحيوان فإنه يشتمل على الرأس والجلد والأطراف واللحم والشحم وما في البطن وكذل الرأس يشتمل على لحم الخدين والأذنين والعينين ويختلف ذلك ولم يمنع صحة السلم فيه كذا ههنا .
فصل : ويصح السلم في اللحم وبه قال مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يجوز لأنه يختلف ولنا قول النبي A [ من أسلم فليسلم في كيل معلوم أو وزن معلوم ] وظاهرة إباحة السلم في ك موزون ولأننا قد بينا جواز السلم في الحيوان فاللحم أولى