استحباب الاشهاد في البيع وكراهة البيع والشراء في المسجد .
فصل : ويستحب الإشهاد في البيع لقول الله تعالى : { وأشهدوا إذا تبايعتم } وأقل أحوال الأمر الاستحباب ولأنه أقطع للنزاع وأبعد من التجاحد فكان أولى ويختص ذلك بما له خطر فأما الاشباء القليلة الخطر كحوائج البقال والعطار وشبههما فلا يستحب ذلك فيها لأن العقود فيها تكثر فيشق الإشهاد عليها وتقبح إقامة البينة عليها والترافع إلى الحاكم من أجلها بخلاف الكثير وليس الإشهاد بواجب في واحد منهما ولا شرطا له روي عن أبي سعيد الخدري وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي و إسحاق و أبي أيوب وقالت طائفة ذلك فرض لا يجوز تركه روي ذلك عن ابن عباس وممن رأي الإشهاد على البيع عطاء وجابر بن زيد و النخعي لظاهر الأمر ولأنه عقد معاوضة فيجب الإشهاد عليه كالنكاح .
ولنا قول الله تعالى : { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته } قال أبو سعيد : صار الأمر إلى الأمانة وتلا هذه الآية ولأن النبي A اشترى من يهودي طعاما ورهنه درعه واشترى من رجل سراويل ومن أعرابي فرسا فجحده الأعرابي حتى شهد له خزيمة بن ثابت ولم ينقل أنه شهد في شيء من ذلك وكان الصحابة يتبايعون في عصره في الأسواق فلم يأمرهم بالإشهاد ولا نقل عنهم فعله ولم ينكر عليهم النبي A ولو كانوا يشهدون في كل بياعاتهم لما أخل بنقله وقد أمر النبي صلى الله عليه مسلم عروة بن الجعد أن يشتري له أضحية ولم يأمره بالإشهاد وأخبره عروة أنه اشترى شاتين فباع إحداهما ولم ينكر عليه ترك الإشهاد ولأن المبايعة تكثر بين الناس في أسواقهم وغيرها فلو وجب الإشهاد في كل ما يتبايعونه أفضى إلى الحرج المحطوط عنا بقوله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } والآية المراد بها الإرشاد إلى حفظ الأموال والتعليم كما أرم بالرهن والكاتب وليس ذلك بواجب وهذا ظاهر .
فصل : ويكره البيع والشراء في المسجد به قال إسحاق لما روى أبو هريرة [ أن رسول الله A قال : إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم من ينشد ضالة في المسجد فقولوا لا ردها الله عليك ] وقال الحديث حسن غريب ولأن المساجد لم تبن لهذا ورأى عمران القصير رجلا يبيع في المسجد فقال هذه سوق الآخر فإن أردت التجارة فاخرج إلى سوق الدنيا فإن باع فالبيع صححي لأن البيع تم بأركانه وشرطه ولم يثبت وجود مفسد له وكراهة ذلك لا توجب الفساد كالغش في البيع والتدليس والتصرية وفي قول النبي A قولوا : [ لا أربح الله تجارتك ] من غير اخبار بفساد البيع دليل على صحته والله أعلم