الشراء ممن في ماله وحرام وحلال كالسلطان الظالم والمرابي .
فصل : وإذا اشترى ممن في ماله حرام وحلال كالسلطان الظالم والمراب فإ علم أن المبيع من حلال ماله فهو حلال وإن علم أنه حرام فهو حرام ولا يقبل قول المشتري عليه في الحكم لأن الظاهر إنما في يد الإنسان ملكه فإن لم يعلم من أيهما هو كرهناه لاحتمال التحريم فيه ولم يبطل البيع لإمكان الحلال قل الحرام أو كثر وهذا هو الشبهة وبقدر قلة الحرام وكثرته تكون الشبهة وقلتها قال أحمد : لا يعجبني أن يأكل منه لما روى النعمان بن بشير [ أن النبي A قال : الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى وحمى الله محارمه ] متفق عليه وهذا لفظ رواية مسلم وفي لفظ رواية البخاري [ فمن ترك ما اشتبه عليه كان لما استبان أترك ومن اجترأ على ما يشك فيه من المأثم أوشك أن يواقع ما استبان ] وروى الحسن بن علي [ عن النبي A أنه قال : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ] وهذا مذهب الشافعي .
فصل : والمشكوك فيه على ثلاثة أضرب : ما أصله الحظر كالذبيحة في بله فيها مجوس وعبدة أوثان يذبحون فلا يجوز شراؤها وإن أمكن أن يكون ذابحها مسلما لأن الأصل التحريم فلا يزول إلا بيقين أو ظاهر وذلك إن كان فيها اخلاط من المسلمين والمجوس لم يجز شراؤها لذلك والأصل فيه حديث عدي ابن حاتم [ أن رسول الله A قال : إذا أرسلت كلبك فخالط أكلبا لم يسم عليها فلا تأكل فإنك لا تدري أيها قتله ] متفق عليه فأما إن كان ذل كفي بلد الإسلام فالظاهر إباحتها لأن المسلمين لا يقرون في بلدهم بيع ما لا يحل بيعه ظاهرا والثاني : ما أصله الإباحة كالماء يجده متغيرا لا يعلم أبنجاسه تغير أم بغيرها فهو طاهر في الحكم لأن الأصل الطهارة فلا تزول عنها إلا بيقين أو ظاهر ولم يوجد واحد منهما والأصل في ذلك حديث عبد الله بن زيد قال : [ شكي إلى النبي A الرجل يخيل إليه في الصلاة أنه يجد الشيء قال : لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ] متفق عليه الثالث : مالا يعرف له أصل كرجل في ماله حلال وحرام فهذا هو الشبهة التي الأولى تركها على ما ذكرنا وعملا بما روي [ عن النبي A أنه وجد تمرة ساقطة فقال : لولا أني أخشى أنها من الصدقة لأكلتها ] وهو من باب الورع .
فصل : وكان أحمد C لا يقبل جوائز السلطان وينكر على ولده وعمه قبولها ويشدد في ذلك وممن كان لا يقبلها سعيد بن المسيب و القاسم و بشر بن سعيد و محمد بن واسع و الثوري و ابن المبارك وكان هذا منهم على سبيل الورق والتوقي لا على أنها حرام فإن أحمد قال : جوائز السلطان أحب إلي من الصدقة وقال : ليس أحد من المسلمين إلا لوله في هذا الدراهم نصيب فيكيف أقول أنها سحت وممن كان يقبل جوائزهم ابن عمر و ابن عباس وعائشة وغيرهم من الصحابة مثل الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر ورخص في الحسن البصري ومكحول و الزهري و الشافعي واحتج بعضهم بأن النبي A اشترى من يهودي طعاما ومات ودرعه مرهونة عنده وأجاب يهوديا دعاه وأكل من طعامه .
وقد أخبر الله تعالى أنهم أكالون للسحت وروي عن علي Bه أنه قال : لا بأس بجوائز السلطان فإن ما يعطيكم من الحلال أكثر مما يعطيكم من الحرام قال : لا يسأل السلطان شيئا وإن أعطى فخذ فإن ما في البيت المال من الحلال أكثر مما فيه من الحرام .
قال أحمد C فيمن معه ثلاثة دراهم فيها درهم حرام يتصدق بالثلاثة وإن كان معه مائتا درهم فيها عشرة حرام يتصدق بالعشرة لأنه هذا كثر وذاك قليل فقيل له : قال سفيان ما كان دون العشرة يتصدق به وما كان أكثر يخرج قال : نعم لا يجحف به قال القاضي : وليس هذا على سبيل التحديد وإنما هو على طريق الاختيار لأنه كلما كثر الحلال بعد تناول الحرام وشق التورع عن الجميع بخلاف القليل فإنه يسهل إخراج الكل والواجب في الموضعين إخراج قدر الحرام والباقي مباح له وهذا لأن التحريم لم يكن لتحريم عينه وإنما حرم لتعق حق غيره به فإذا أخرج عوضه زال التحريم عنه كما لو كان صاحبه حاضرا فرضي بعوضه وسواء كان قليلا أو كثيرا والورع إخراج ما يتقين به إخراج عين الحرام ولا يحصل ذلك إلا بإخراج الجميع لكن لما شق ذلك في الكثير ترك لأجل المشقة فيه واقتصر على الواجب ثم يختلف هذا باختلاف الناس فمنهم نم لا يكون له إلا الدراهم اليسيرة فيشق إخراجها لحاجته إليها ومنهم من يكون له مال كثير فيستغني عنها فيسهل إخراجها