ادلة امتلاك رباع مكة وجواز بيعها .
فصل : واختلفت الرواية في بيع رباع مكة وإجارة دورها فروي أن ذلك غير جائز وهو قول أبي حنيفة و مالك و الثوري و أبي عبيد وكرهه إسحاق لما روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال : [ قال رسول الله A في مكة : لا يباع رباعها ولا تكرى بيوتها ] رواه الأثرم بإسناده وعن مجاهد [ عن النبي A أنه قال : مكة حرام بيع رباعها حرام إجارتها ] وهذا نص رواه سعيد بن منصور في سننه وروي أنها كانت تدعى السوائب على عهد رسول الله A ذكره مسدد في مسنده ولأنه فتحت عنوة ولم تقسم فكانت موقوفة فلم يجز بيعها كسائر الأرض التي فتحها المسلمون عنوة ولم يقسموها والدليل على أنها فتحت عنوة قول رسول الله A : [ إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ] متفق عليه و [ روت أم هانئ قالت : أجريت حموين لي فأراد علي أخي قتلهما فأتيت رسول الله A فقتل يا رسول الله إني أجريت حموين لي فزعم ابن أمي علي أنه قاتلهما فقال : النبي A : قد أجرنا من أجرت أو أمنا من أمنت يا أم هانئ ] متفق عليه ولذلك أمر النبي A بقتل أربعة فقتل منهم ابن خطل ومقيس بن صبابه وهذا يدل على أنه فتحت عنوة والرواية الثانية : أنه لا يجوز بيع رباعها وإجارة بيوتها وروي ذلك عن طاوس وعمر بن دينار وهذا قول الشافعي و ابن المنذر وهو أظهر في الحجة لأن النبي A لما قيل له أين تنزل غدا ؟ قال : [ وهل ترك لنا عقيل من رباع ؟ ] متفق عليه يعني أن عقيلا باع رباع أبي طالب لأنه ورثه دون اخوته لكونه كان على دينه دونهما ولو كانت غير مملوكة لا أثر بيع عقيل شيئا ولأن أصحاب النبي A كانت لهم دور ملكة لأبي بكر والزبير وحكيم بن حزام وأبي سفيان وسائر أهل مكة فمنهم من باع ومنهم من ترك داره فهي في يد أعقابهم وقد باع حكيم بن حزام دار الندوة فقال ابن الزبير : بعت مكرمة قريش فقال ابن أخي ذهبت المكارم إلا التقوى أو كما قال : واشترى معاوية دارين واشترى عمر دار السجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف ولم يزل أهل ملكة يتصرفون في دورهم تصرف الملاك بالبيع وغيره ولم ينكره منكر فكان إجماعا وقد قرره النبي A بنسبة دورهم إليهم فقال : [ من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ] وأقرهم في دورهم ورباعهم ولم ينقل أحدا عن داره ولا وجد منه ما يدل على زوال أملاكهم وكذلك من بعده من الخلفاء حتى إن عمر Bه مع شدته في الحق لما احتاج إلى دار السجن لم يأخذها إلا بالبيع ولأنها أرض حية لم يرد عليها صدقة محرمة فجاز بيعها كسائر الأرض وما وري من الأحاديث في خلاف هذا فهو ضعيف وأما كونها فتحت عنوة فهو الصحيح الذي لا يمكن دفعه إلا أن النبي A أقر أهلها فيه على أملاكهم ورباعهم فيدل على أنه تركها لهم كما ترك لهوازن نساءهم وأبناءهم وعلى القول الأول من كان ساكن دار أو منزل فهو أحق به يسكنه ويسكنه وليس له أخذ أجرته ومن احتاج إلى مسكن فله بذل الأجرة فيه وإن احتاج إلى الشراء فله ذلك كما فعل عمر Bه وكان أبو عبد الله إذا سكن أعطاهم أجرتها فإن سكن باجرة فأمكنه أن لا يدفع إليهم الأجرة جاز له ذلك لأنهم لا يستحقونها وقد روي أن سفيان سكن في بعض رباع مكة وهرب ولم يعطهم أجرة فأدركوه فأخذوها منه وذكر لأحمد فعل سفيان فتبسم فظاهر هذا أنه أعجبه قال ابن عقيل : والخلاف ف غير مواضع المناسك أما بقاع المناسك كموضع السعي والرمي فحكمه حكم المساجد بغير خلاف .
فصل : ومن بنى بناء بمكة بآلة مجلوبة من غير أرض مكة جاز بيعها كما يجوز بيع أبنية الوقوف وأنقاضها وإن كانت من تراب الحرم وحجارته انبنى جواز بيعها على الروايتين في بيع رباع مكة لأنها تابعة لمكة وهكذا تراب كل وقف وأنقاضه قال أحمد : وأما البناء بمكة فإني أكرهه قال إسحاق : البناء بمكة على وجه الاستخلاص لنفسه لا يحل وقد [ روي أن النبي A قيل له ألا تبني لك بمنى بيتا ؟ فقال : منى مناخ لمن سبق ]