أحكام استدانة العبد وتصرفاته غير المأذون له .
مسألة : قال : وما استدان العبد فهو في رقبته يفديه سيده أو يسلمه فإن جاوز ما استدان قيمته لم يكن على سيده أكثر من قيمته إلا أن يكون مأذونا له في التجارة فيلزم مولاه جميع ما استدان .
في هذه المسألة أربعة فصول : .
الفصل الأول : في استدانة العبد يعني أخذه بالدين يقال أدان واستدان وتدين قال الشاعر : .
( يؤنبني في الدين قومي وإنما ... تدينت فيما سوف يكسبهم حمدا ) .
والعبيد قسمان : محجور عليه فما لزمه من الدين بغير رضا سيده مثل أن يقترض أو يشتري شيئا في ذمته ففيه روايتان إحداهما : يتعلق برقته اختارها الخرقي وأبو بكر لأنه دين لزمه بغر إذن سيده فتعلق برقبته كأرش جنايته والثانية : يتعلق بذمته يتبعه الغريم به إذا أعتق وأيسر وهذا مذهب الشافعي لأنه متصرف في ذمته بغير إذن سيده فتعلق بذمته كعوض الخلع من الأمة وكالحر .
القسم الثاني : المأذون له في التصرف أو في الاستدانة فما يلزمه من الدين هل يتعلق بذمة السيد أو برقبته ؟ على روايتين وقال مالك و الشافعي : إن كان في يده مال قضيت ديونه منه وإن لم يكن في يده شيء تعلق بذمته يتبع به إذا عتق وأيسر لأنه دين ثبت برضا نم له الدين أشبه غير المأذون أو فوجب أن لا يتعلق برقبته كما لو استقرض بغير إذن سيده وقال أبو حنيفة : يباع إذا طالب الغرماء ببيعه وهذا معناه أنه تعلق برقبته لأنه دين ثبت برضا من له الدين فيباع فيه كما لو رهنه ولنا أنه أذن له في التجارة فقد أغرى الناس بمعاملته وأذن فيها فصار ضامنا كما لو قال لهم : داينوه أو أذن في استدانة تزيد على قيمته ولا فرق بين الدين الذي لزمه في التجارة المأذون فيها أو فيما لم يؤذن فيه مثل أن أذن له في التجارة في البر فاتجر في غيره فإنه لا ينفك عن التغرير إذ يظن الناس أنه مأذون له في ذلك أيضا .
الفصل الثاني : فيما لزمه من الدين من أورش جناياته أو قيم متلفاته فهذا يتعلق برقبة العبد على كل حال مأذونا أو غير مأذون رواية واحدة وبه يقول أبو حنيفة و الشافعي وكل ما يتعلق برقبته فإن السيد بتخير بين تسليمه للبيع وبين فدائه فإن سلمه فبيع وكان ثمنه أقل من أرش جنايته فليس للمجني عليه إلا ذلك لأن العبد هو الجاني فلا يجب على غيره شيء وإن كان ثمنه أكثر فالفضل لسيده وذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد أن السيد لا يرجع بالفضل ولعله يذهب إلى أنه دفعه إليه عوضا عن الجناية فلم يبق لسيده فيه شيء كما لو ملكه إياه عوضا عن الجناية وهذا ليس بصحيح فإن المجني عله لا يستحق أكثر من قدر أرش الجناية عليه كما لو جنى عليه حر والجاني لا يجب عليه أكثر من قدر جنايته ولأن الحق تعلق بعينه فكان الفضل من ثمنه لسيده كالرهن ولا يصح قولهم إنه دفعه عوضا لأنه لو كال عوضا لملكه المجني عليه ولم يبع في الجناية وإنما دفعه ليباع فيؤخذ منه عوذ الجناية ويرد إليه الباقي ولذلك لو أتلف درهما لم يبطل حق سيده منه بذلك لعجزه عن أداء الدرهم من غر ثمنه وإن اختار السيد فداء لزمه أقل الأمرين من قيمته أو أرش جناية لأن أرش الجناية إن كان أكثر فلا يتعلق بغير العبد الجاني لعدم الجناية من غيره وإنما تجب قيمته وإن كان أقل فلم يجب الجناية إلا هو وعن أحمد رواية أخرى أه يلزمه أ { ش جنايته بالغا ما بلغ لأنه يجوز أن يرغب فيه راغب فيشتريه بأكثر من ثمنه فإذا منع بيعه لزمه جميع الأرش لتفوتيه ذلك وللشافعي قولان كالروايتين .
الفصل الثالث : في تصرفاته أما غير المأذون فلا يصح بيعه ولا شراؤه بعين المال أنه تصرف من المحجور فيما حجر عليه فيه فأشبه المفلس ولأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه فهو التصرف الفضولي ويتخرج أن يصح ويقف على إجازة السيد كذلك وأما شراؤه بمثن في ذمته واقتراضه فيحتمل أن لا يحص لأنه محجور عليه أشبه السفيه ويحتمل أن يصح لأن الحجر لحق غيره أشبه المفلس والمريض ويتفرع عن هذين الوجهين أن التصرف وإن كان فاسدا فللبائع والمقرض أخذ ماله إن كان باقيا سواء كان في يد العبد أو السيد وإن كان تالفا فله قيمته أو مثله إن كان مثليا فإن تلف في يد السيد رجع بذلك عليه لأن عين ماله تلف في يده وإن شاء كان ذلك متعلقا برقبة العبد لأنه الذي أخذه منه وإن تلف في سيد العبد فالرجوع عليه وهل يتعلق برقبته أو ذمته ؟ على روايتين وإن قلنا التصرف صحيح والمبيع في يد المبيع في يد العبد فللبائع فسخ البيع وللمقرض الرجوع فيما أقرض لأنه قد تحقق إعسار المشتري والمقترض فهو أسوأ حالا من الحر المعسر وإن كان السيد قد انتزعه من يد العبد ملكه بذلك وله ذلك لأنه أخذ من عبده مالا في يده بحق فهو كالصيد فإذا ملكه السيد كان كهلاكه في يد العبد لا يملك البائع والمقرض انتزاعه من السيد بحال وإن كان قد تلف استقر ثمنه في رقبة العبد أو في ذمته سواء تلف في يد العبد أو السيد وأما العبد المأذون له فيصح تصرف في قدر ما أذن له فيه لا نعلم فيه خلافا ولا يصح فيما زاد نص عليه أحمد وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة : إذا أذن له في نوع انفك الحجر عنه وجاز له التصرف مطلقا لأن الحجر لا يتجزأ فإذا زال بعضه زال كله .
ولنا أنه متصرف بالإذن فاختص تصرفه بمحل الأذن كالوكيل وقولهم أن الحجر لا يتجزأ لا يصح فإنه لو صرح بالإذن له في بيع يبع ونهيه عن بيع أخرى صح وكذلك في الشراء كالوكيل وإن أذن له السيد في ضمان أو كفالة ففعل صح وهل يتعلق بذمة السيد أو رقبة العبد ؟ على وجهين وإن رأى السيد عبده يتجر فلم ينهه لم يصر بذلك مأذونا له .
الفصل الرابع : في تصرفاته إن كان مأذونا له في التجارة قبل إقراره في قدر ما أذن له ولم يقبل فيما زاد وال يقبل إقراره غير المأذون له بالمال فإن أقر بعين في يده أو دين يتعلق برقبته لم يقبل على سيده لأنه يقر بحق على غيره فلم يقبل كما لو أقر أن سيده باعه ويثبت ذلك في ذمته يتبع به بعد العتق وإن أقر بجناية استوى في ذلك المأذون له وغيره وينقسم ذلك أقساما أربعة .
أحدها : جناية موجبها المال كإتلافه خطأ أو شبه عمد أو جناية عمد فيما لا قصاص يه كالجائفة ونحوها فلا يقبل إقراره بها لأنه إقرار بالمال فلم يقبل كما لو أقر بدارهم أو دنانير .
القسم الثاني : جناية موجبها حد سوى السرقة أو قصاص فيما دون النفس فيقبل إقراره بذلك وبه قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي وقال زفر و داود و المزني و جرير : لا يقبل يسقط به حق السد فلا يقبل كالإقرار بجناية الخطأ .
ولنا ما روى عن علي Bه أنه قطع يد عبد بإقراره بالسرقة وجلدا عبدا أقر عنده بالزنا نصف الحد ولا مخالف له في الصحابة فكان إجماعا ولأن ما لا يقبل إقرار السيد فيه على العبد يقبل فيه إقرار العبد كالطلاق ولأن العبد غير متهم فيه لأن ضرره به أخص وهو بألمه أمس فقبل إقراره كما لو أقرت به الزوجة وخرج على هذين المعنيين جناية الخطأ فإن إقرار السيد بها مقبول ولا يتضرر العبد بها .
القسم الثالث : إقراره بالسرقة يقبل في الحد فيقطع ولا يقبل في المال سواء كانت العين تالفة أو باقية في يد السيد أو في يد العبد وبهذا قال الشافعي ويحتمل أن لا يقطع إذا أقر بسرقة عين موجودة في يده وبهذا قال أبو حنيفة لأن العين محكوم بها لسيده فلا يقطع بسرقة عين لسيدة ولأن المطالبة بالمسروق شرط في القطع وهذه لا يملك غير السيد المطالبة بها ولأن هذا شبهة والحدود تدرأ بالشبهات ولنا خبر علي Bه ولأنه مقر بسرقة عين تبلغ نصابا فوجب قطعه كما لو أقر حر بسرقة عين في يد غيره وما ذكروه يبطل بهذه الصورة وإنما لم ترد العين إلى المسروق منه لحق السيد وأما في حق العبد فقد يثبت للمقر له ولهذا لو عتق وعادت العين إلى يده لزمه ردها إلى المقر له .
القسم الرابع : الإقرار بما يوجب القصاص في النفس فروي عن أحمد أنه لا يقبل وعموم قول الخرقي أن أقر المحجور عليه بما يوجب حدا أو قصاصا أو طلق زوجته لزمه ذلك يقتضي قبول إقراره وهو قول أبي حنيفة و مالك و الشافعي لأنه أقر بما يوجب قصاصا فقبل كإقراره بقطع اليد ولأنه أحد نوعي القصاص فقبل إقراره به كالآخر ولأه لا يقبل إقرار سيده عليه به فقبل إقراره به كالحد واحتج أصحابنا بأن مقتضى القياس أن لا يقبل إقراره بالقصاص أصلا لأنه إقرار على مال سيده ولأنه متهم إذ يحتمل أن يكون عن مواطأة بينهم ليعفو على مال فيستحق رقبة العبد ولذلك لم تحمل العاقلة اعترافا فتركنا موجب القياس لخبر علي Bه ففيما عداه يبقى على موجب القياس ويفارق القصاص في النفس القصاص في الطرف لأنه قد يحتمل أنه أراد التخلص من سيده ولو بفوات نفسه وكل موضع حكمنا بقبول إقراره بالقصاص فحكمه حكم الثابت بالبينة فلولي الجناية العفو والاستيفاء والعفو على مال فإن عفا تعلق الأرش برقبة العبد على ما مر بيانه ويحتمل أن لا يملك العفو على مال لئلا يتخذ ذلك وسيلة إلى الإقرار بمال