بيع الطائر في الهواء والسمك في الماء .
مسألة : قال : ولا الطائر قبل أن يصاد .
وجملة ذلك أنه إذا باع طائرا في الهواء لم يصح مملوكا أو غير مملوك أما المملوك فلأنه غير مقدور عليه وغير المملوك لا يجوز لعلتين إحداهما : العجز عن تسليمه والثاني : أن غير ممولك له والأصل في هذا نهى النبي A عن بيع الغرر وقيل في تفسيره هو بيع الطير في الهواء والسمك في الماء ولا نعلم في هذا خلافا ولا فرق بين كون الطائر يألف الرجوع أو لا يألفه لأنه لا يقدر على تسليمه الآن وإنما يقدر عليه إذا عاد فإن قيل فالغائب في مكان بعيد لا يقدر على تسليمه في الحال قلنا الغائب يقدر على استحضاره والطير لا يقدر صاحبه على رده إلا أن يرجع هو بنفسه ولا يستقل مالكه برجه فيكون عاجزا عن تسليمه لعجزه الواسطة التي يحصل بها تسليمه بخلاف الغائب وإن باعه الطير في البرج نظرت فإن كان البرج مفتوحا لم يجز لأن الطير إذا قدر على الطيران إذا قدر على الطيران لم يمكن تسليمه فإن كان مغلقا ويمكن أخذه جاز بيعه وقال القاضي : إن لم يمكن أخذه إلا بتعب ومشقة لم يجز بيعه لعدم القدرة على تسلميه وهذا مذهب الشافعي وهو ملغي بالبعيد الذي لا يمكن إحضاره إلا بتعب ومشقة وفرقوا بنيهما بأن البعيد تعلم الكلفة التي يحتاج إليها في إحضاره بالعادة وتأخير التسليم مدته معلومة ولا كذلك في إمساك الطائر والصحيح إن شاء الله تعالى أن تفاوت المدة في إحضار البعيد واختلاف المشقة أكثر من التفاوت والاختلاف في إمساك طائر من البرج والعادة تكون في هذا كالعادة في ذاك فإذا صح في البعيد مع كثرة التفاوت وشدة اختلاف المشقة فهذا أولى .
مسألة : قال : ولا السمك في الآجام .
هذا قو أكثر أهل العلم روي عن ابن مسعود أنه نهى عنه وقال : إنه غرر وكره ذلك الحسن و النخعي و مالك و أبو حنيفة و الشافعي و أبو يوسف و أبو ثور ولا نعلم لهم مخالفا لما ذكرنا من الحديث والمعنى لا يجوز بيعه في الماء إلا أن يجتمع ثلاثة شروط أحدها : أن يكون مملوكا الثاني : أن يكون الماء رقيقا لا يمنع مشاهدة ومعرفته الثالث : أن يمكن اصطياده وإمساكه فإن اجتمعت هذه الشروط جاز بيعه لأنه مملوك معلوم مقدور على تسليمه فجاز بيعه كالموضوع في الطست وإن احتل شرط مما ذكرنا لم يجز بيعه لذلك وإن اختلت الثلاثة لم يجز بيعه لثلاث علل وإن اختل اثنان منها لم يجز بيعه لعلتين وروي عن عمر بن عبد العزيز و ابن أبي ليلى فيمن له أجمة يحبس السمك فيها يجوز بيعه لأنه يقدر عليه تسليمه ظاهرا أشبه ما يحتاج إلى مؤنة في كيلة ووزنه ونقله .
ولنا ما روى عن ابن عمر وابن مسعود أنها قالا : لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر ولأن النبي A نهى عن بيع الغرر وهذا منه ولأنه لا يقدر على تسليمه إلا بعد اصطياده أشبه الطير في الهواء والعبد الآبق ولأنه مجهول فلم يصح بيعه كاللبن في الضرع والنوى في التمر ويفارق ما ذكروه لأن ذلك من مؤنة القبض وهذا يحتاج إلى مؤنة ليمكن قبضه فأما إن كانت له بركة فيها سمك له يمكن اصطياده بغر كلفه والماء رقيق لا يمنع مشاهدته صح بيعه وإن لم يمكن إلا بمشقة وكلفة يسيرة بمنزلة كلفة اصطياده الطائر من البرد فالقول فيه كالقول في بيع الطائر في البرج على ما ذكرنا فيه من الخلاف وإن كانت كثيرة وتتطاول المدة فيه لم يجز بيعه للعجز عن تسليمه والجهل بوقت إمكان التسليم .
فصل : إذا أعد بركة أو مصفاة ليصطاد فيها السمك فحصل فيها سمك ملكه لأنه آلة معدة للاصطياد فأشبه الشبكة ولو استأجر البركة أو الشبكة أو استعارهما للاصطياد جاز وما حصل فيهما ملكه وإن كانت البركة غير معدة للاصطياد لم يملك ما حصل فيها من السمك لأنها غير معدة له فأشبهت أرضه إذا دخل فيها صيدا أو حصل فيها سمك ومتى نصب شبكة أو شركا أو فخا أو أحبولة ملك ما وقع فيها من الصيد لأنه بمنزلة يده وكذلك لو نصب المناجل للصيد وسمى فقلت صيدا حل له أكله وكان كذبحة ولو وقع في شبكته أو شبهها شيء كان مضمونا عليه فعلم بذلك أنه كيده ولو أعد لمياه الأمطار مصانع و بركا أو أواني ليحصل فيها الماء ملكه بحصوله فيها لأنه في باب الأعداد كالشباك للاصطياد ولو أعد سفينته للاصطياد كالتي يجعل فيها الضوء ويضرب صواني الصفر ليثب السمك فيها كان حصوله فيها كحصوله في شبكته لكونها صارت من الآلات المعدة ولو لم يعدها لذلك لم يملك ما وقع فيها ومن سبق إليه فأخذه ملكه كالأرض التي لم تعد للاصطياد مثل أرض الزرع إذا دخلها ماء فيه سمك ثم نضب عنه أو دخل فيها ظبي أو عشش فيها طائر أو سقط فيها جراد فيها ملح لم يملكه صاحبها لأنه ليس من نماء الأرض ولا مما هي معدة له لكنه يكون أحق به إذ ليس لغيره التخطي في أرضه ولا الانتفاع بها فإن تخطى وأخذه أخطأ وملكه قال أحمد : في ورشان على نخله قوم صاده إنسان هو للصائد وقال في طيرة لقوم أفرخت في دار جيرانهم إن الفرخ يتبع الأم برد فراخها على أصحاب الطيرة واختار ابن عقيل في المأخوذ من املاك الناس من صيد وكلأ وشبهه أنه لا يملكه بأخذه لأنه سبب منهي عنه فلم يفد الملك كالبيع المنهي عنه إذ السبب لا يختلف بين كونه بيعا أو غيره [ لقول عليه السلام : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ] والصحيح الأول ولا نسلم أن السبب منهي عنه فإن السبب الأخذ وليس بمنهي عنه إنما نهي عن الدخول وهو غير السبب بخلاف البيع ولأن النهي ههنا لحق آدمي فلا يمنع الملك كبيع المصراة والمعيب وتلقي الركبان النجش وبيعه على بيع أخي ولو أعد أرضه للملح فجعلها ملاحة ليحصل فيها الماء فيصير ملحا كالأرض التي على ساحل البحر يجعل إليها طريقا للماء فإذا امتلأت قطعه عنه أو تكون أرضه سبخة يفتح إليها الماء من عين أو جميع فيها ماء المطر فيصير ملحا ملكه بذلك لأنها معدة له فأشبهت البركة المعدة للصيد وإن لم يكن أعدها لذلك لم يملك ما حصل فيها كما قدمنا في مثلها فإن قيل فقد روي عن أحمد إنسان رمي طيرا ببندق فوقع في دار قوم لهو لهم دونه وهذا يدل على أنهم ملكوه بحصوله في دراهم قلنا هذا محمول على أنه وقع ممتنعا فصاده أهل الدار فملكوه باصطيادهم وكذلك قال ابن عقيل ويتعين حمله على هذا لأنهم إذا لم يملكوا ما حصل في دارهم بفعل الله تعالى فما حصل بفعل آدمي أولى ولأنه وقع في الدار بعد الضربة المثبتة له التي يملك بها الصيد فأشبه ما لو طارت الريح ثوب إنسان فألقته في دراهم ولو كانت آلة الصيد كالشبكة والشرك والمناجل غير منصوبة للصيد ولا قصد بها الاصطياد فتعلق بها صيد لم يملكه صاحبه بذلك لأنها غير معدة للصيد في هذه الحال فأشبهت الأرض التي ليست معدة له .
فصل : وما حصل من الصيد في كلب إنسان أو صقره أو فهده وكان استرسل بإرسال صاحبه فهو له لأنه آكد من الشبكة لأنه حيوان يحصل الصيد بفعله وقصده وإرسال صاحبه فهو كسهمه ولأن الله تعالى قال : { فكلوا مما أمسكن عليكم } وإن استرسل بنفسه فحكمه حكم الصيد الحاصل في أرض إنسان في أنه لا يملكه وليس لغيره أخذه فإن أخذه غره ملكه كالكلأ وكذلك ما يحصل في بهيمة إنسان من الحشيش في المرعى