الاختلاف في الثمن وأيهما يبدأ باليمين .
مسألة : قال : وإذا باع شيئا واختلفا في ثمنه تحالفا فإن شاء المشتري أخذ بعد ذلك بما قال البائع وإلا انفسخ البيع بينهما والمبتدئ باليمين البائع .
الكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة .
الفصل الأول : إنه إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة فقال البائع : بعتك بعشرين وقال المشتري بل بعشرة ولأحدهما بينه حكم بها وإن لم يكن لهما بينة تحالفا وبهذا قال شريح و أبو حنيفة و الشافعي و مالك في رواية وعنه القول قول المشتري مع يمينه وبه قال أبو ثور و زفر : لأن البائع يدعي عشرة زائدة ينكرها المشتري والقول قول المنكر وقال الشعبي : القول قول البائع أو يترادان البيع وحكاه ابن المنذر عن إمامنا C وروي ابن مسعود [ عن رسول الله A أنه قال : إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع ] رواه سعيد و ابن ماجة وغيرهما والمشهور في المذهب الأول ويحتمل أن يكون معنى القولين واحدا وأن القول قول البائع مع يمنيه فإذا حلف فرضي المشتري بذلك أخر به وإن أبي حلف أيضا وفسخ البيع بينهما لأن بعض ألفاظ حديث ابن مسعود [ أن النبي A قال : إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا ] ولأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه فإن البائع يدعي عقدا بعشرين ينكره المشتري والمشتري يدعي عقدا بعشرة ينكره البائع والعقد بعشرة غير العقد بعشرين فشرعت اليمن في حقهما وهذا الجواب عما ذكروه .
الفصل الثاني : أن المبتدئ باليمن البائع فيحلف ما بعته بعشرة وإنما بعته بعشرين فإن شاء المشتري أخذه بما قال البائع وإلا يحلف ما اشتريته بعشرين وإنما اشتريته بعشرة وهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : يبتدئ بيمين المشتري لأنه منكر واليمن في جنبته أقوى ولأنه يقضى بنكوله وينفصل الحكم وما كان أقرب إلى فضل الخصومة كان أولى ولنا قول النبي A [ فالقول ما قال البائع ] وفي لفظ [ فالقول ما قال البائع والمشتري بالخيار ] رواه الإمام أحمد ومعناه إن شاء أخذ وإن شاء حلف ولأن البائع أقوى جنبه لأنهما إذا تحالفا عاد المبيع إليه فكان أقوى كصاحب اليد وقد بينها أن كل واحد منهما منكر فيتساويان من هذا الوجه والبائع إذا نكل فهو بمنزلة نكول المشتري يحلف الآخر ويقضى له فيهما سواء .
الفصل الثالث : أنه إذا حلف البائع فنكل المشتري عن الميمين قضي عليه وإن نكل البائع حلف المشتري وقضي له وإن حلفا جميعا لم ينفسخ البيع بنفس التحالف لأنه عقد صحيح فتنازعهما وتعارضهما لا يفسخه كما لو أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه لكن إن رضي أحدهما بما قال صاحبة أقر العقد بينهما وإن لم يرضيا فلكل واحد منهما الفسخ هذا ظاهر الكلام أحمد ويحتمل أن يقف الفسخ على الحاكم وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن العقد صحيح وأحدهما ظالم وإنما يفسخه الحاكم إمضائه في الحكم فأشبه نكاح المرأة إذا زوجها الوليان وجهل السابق منهما ولنا قول النبي A : [ أو يترادان البيع ] وظاهره استقلالهما بذلك وفي القصة أن ابن مسعود Bه باع الأشعث بن قيس رقيقا من رقيق الإمارة فقال عبد الله : بعتك بعشرين ألفا قال الأشعث : اشتريت منك بعشرة آلاف فقال عبد الله : [ سمعت رسول الله A يقول : إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة والمبيع قائم بعينه فالقول قول البائع أو يترادان البيع ] قال : فإني أرد البيع رواه سعيد بن هشيم عن ابن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن القاسم عن ابن مسعود وروى أيضا حديثا عن عبد الملك بن عبيدة قال [ قال رسول الله A : إذا اختلف المتبايعان استحلف البائع ثم كان المشتري بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء ترك ] وهذا ظاهر في أنه يفسخ من غير حاكم لأنه جعل الخيار إليه فأشبه من له خيار الشرط أو الرد بالعيب ولأنه فسخ لاستدراك الظلامة فأشبه الرد بالعيب ولا يشبه النكاح لأن لكل واحد من الزوجين الاستقلال بالطلاق وإذا فسخ العقد فقال القاضي : ظاهر كلام أحمد أن الفسخ نفذ ظاهرا وباطنا لأنه فسخ لاستدراك الظلامة فهو كالرد بالعيب أو فسخ عقد بالتحالف فوقع في الظاهر أو الباطن كالفسخ باللعان وقال أبو الخطاب : إن كان البائع ظالما لم ينفسخ العقد في الباطن لأنه كان يمكنه إمضاء العقد واستيفاء حقه فلا ينفسخ العقد في الباطن ولا يباح له التصرف في المبيع لأنه غاصب فإن كان المشتري ظالما انفسخ البيع ظاهرا وباطنا لعجز البائع عن استيفاء حقه فكان له الفسخ كما لو أفلس المشتري ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين ولهم وجه ثالث أنه لا يفسخ في الباطن بحال وهذا فاسد لأنه لو علم أنه لم ينفسخ في الباطن بحال لما أمكن فسخه في الظاهر فإنه لا يباح لكلك واحد منهما التصرف فيما رجع إليه بالفسخ ومتى علم أن ذلك محرم منع منه ولأن الشارع جعل للمظلوم منهما الفسخ ظاهرا أو باطنا فانفسخ بنفسه في الباطن كالرد بالعيب ويقوي عندي أنه إن فسخه الصادق منها انفسخ ظاهرا وباطنا لذلك وإن فسخ الكاذب عالما بكذبه لم ينفسخ بالنسبة إليه لأنه لا يحل له الفسخ فلم يثبت حكمه بالنسبة إليه ويثبت بالنسبة إلى صاحبه فيباح له التصرف فيما ردع إليه لأنه رجع إليه بحكم الشرع من غير عدوان منه فأشبه ما لو رد عليه المبيع بدعوى العيب ولا عيب فيه .
مسألة : قال : فإن كانت السلعة تالفة تحالفا ورجعا إلى قيمة مثلها إلا أن يشاء المشتري أن يعطي الثمن على ما قال البائع فإن اختلفا في الصفة فالقول قول المشتري مع يمينه في الصفة .
وجملته أنهما إذا اختلفا في ثمن السلعة بعد تلفها فعن أحمد فيها روايتان إحداهما : يتحالفان مثل ما لو كانت قائمة وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن مالك والأخرى : القول قول المشتري مع يمينه اختارها أبو بكر وهذا قول النخعي و الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة لقوله عليه السلام في الحديث : [ والسلعة قائمة ] فمفهومه أنه لا يشرع التحالف عند تلفها ولأنهما اتفقا على نقل السلعة إلى المشتري واستحقاق عشرة في ثمنها واختلفا في شعرة زائدة الباع يدعيها والمشتري بنكرها والقول قول المنكر وتركنا هذا القياس حال قيام السلعة للحديث الوارد فيه ففيما عداه يبقى على القياس ووجه الرواية الأولى عموم قوله : [ إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع والمشتري بالخيار ] وقال أحمد : ولم يقل فيه والمبيع قائم إلا يزيد بن هارون قال أبو عبد الله : وقد أخطأ رواة الحلف عن المسعودي لم يقولوا هذه الكلمة ولكنها في حديث معن ولأن كل واحد منهما مدع ومنكر فيشرع اليمين كحال قيام السلة وما ذكروه من المعنى يبطل بحال قيام السلعة فإن ذلك لا يختلف بقيام السلعة وتلفها وقولهم تركناه للحديث قلنا ليس في الحديث تحالفا وليس ذلك بثابت في شيء من الأخبار قال ابن المنذر : وليس في هذا الباب حديث يعتمد عليه وعلى أنه إذا خولف الأصل لمعنى وجب تعيده الحكم بتعدي ذلك المعنى فنقيس لعيه بل ثبت الحكم بالبينة فإن التحالف إذا ثبت مع قيام السلعة مع أنه يمكن معرفة ثمنها للمعرفة بقيمتها فإن الظاهر أن الثمن يكون بالقيمة فمع تعذر ذلك أولى فإذا تحالفا فإن رضي أحدهما بما قال الآخر لم يفسخ العقد لعدم الحاجة إلى فسخ وإن لم يرضيا فلكل واحد منهما فسه كما له ذلك في حال بقاء السلعة يرد اثمن الذي قبضه البائع إلى المشتري ويدفع المشتري قيمة السلعة إلى البائع فإن كنا م جنس واحد وتساويا بعد التقابض تقاصا وينبغي أن لا يشرع التحالف ولا الفسخ فيما إذا كنت قيمة السلعة مساوية للثمن الذي ادعاه المشتري ويكون القول قول المشتري مع يمينه لأنه لا فائدة في يمين البائع ولا فسخ البيع لأن الحاصل بذل كالرجوع إلى ما ادعاه المشتري وإن كانت القيمة أقل فلا فائدة للبائع في الفسخ فيحتمل أن لا يشرع له اليمن ولا الفسخ لأن ذلك ضرر عليه من غير فائدة ويحتمل أن يشرع لتحصيل الفائدة للمشتري ومتى اختلفا في قيمة السلعة رجعا إلى قيمة مثلها موصوفا بصفاتها فإن اختلفا في الصفة فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه غارم والقول قول الغارم .
فصل : ون تقابلا المبيع أو رد بعيب بعض قبض البائع الثمن ثم اختلفا في قدرة فالقول قول الباع لأنه منكر لما يدعيه المشتري بعد انفسخا العقد فأشبه ما لو اختلف في القبض .
فصل : وإن قال : بعتك هذا العبد بألف فقال : بل هو والعبد الآخر بألف فالقول قول البائع مع يمينه وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي : يتحالفان لأنهما اختلفا في أصل عضوي العقد فيتحالفان كما لو اختلفا في الثمن ولنا أن البائع ينكر بيع العبد الزائد فكان القول قوله بيمينه كما لو ادعى شراءه منفردا .
فصل : وإن اختلفا في عين المبيع فقال : بعتك هذا العبد قال : بل بعتني هذا الجارية فالقول قول كل واحد منهما فيما ينكره مع يمينه لأن كل واحد منهما يدعي عقدا على عين ينكرها المدعي عليه والقول قول المنكر فإن حلف البائع ما بعتك هذه الجارية أقرت في يده إن كانت في يده وردت عليه إن كان مدعيها قد قبضها وأما العبد فإن كان في يد البائع اقر في يده ولم يكن للمشتري طلبه لأنه لا يدعيه وعلى البائع رد الثمن إليه لأنه لم يصل إليه المعقود عليه وإن كان في يد المشتري فعليه رده إلى البائع لأنه لم يعترف أنه لم يشتره وليس للبائع طلبه إذا بدل له ثمنه لاعترافه ببيعه وإن لم يعطه ثمنه فله فسخ البيع واسترجاعه لأنه تعذر عليه الوصول إلى ثمنه فلم كالفسخ كما لو أفلس المشتري وإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه العقدان لأنهما لا يتنافيان فأشبه ما لو ادعى أحدها البيع فيهما جميعا وأنكره الآخر وإن أقام أحدهما بينة بدعواه دون الآخر يثبت ما قامت عليه البنية دون ما لم تقم عليه