تدليس العيب والعيوب المثبتة للفسخ .
مسألة : قال : إلا أن يكون البائع دلس العيب فيلزمه رد الثمن كاملا وكذلك سائر المبيع .
معنى دلس العيب أي كتمه عن المشتري مع علمه به أو غطاه عنه بما يوهم المشتري عدمه مشتق من الدلسة وهي الظلمة فكان البائع يستر العيب وكتمانه جعله في ظلمة فخفي عن المشتري فلم يره ولم يعلم به وسواء في هذا ما علم به فكتمه وما ستره فكلاهما تدلس حرام على ما بيناه فإذا فعله البائع فلم يعلم به المشتري حتى تعيب المبيع في يده فله رد المبيع وأخذ ثمنه كاملا ولا أرش عليه سواء كان الحادث بفعل المشتري كوطء البكر وقطع الثوب أو بفعل آدمي آخر مثل أن يجبني عليه جان أو بفعل العبد كالسرقة والاباق أو بفعل الله تعالى بالمرض ونحوه سواء كان ناقصا للمبيع أو مذهبا لجميعه قال أحمد : في رجل اشترى عبدا فأبق من يده وأقام البينة إن اباقه كان موجودا في يد البائع يرجع به على البائع بجميع الثمن الذي أخذه منه لأنه غر المشتري ويبتع البائع عبده حيث كان وهذا يحكى عن الحكم و مالك لأنه غره فيرجع عليه كما لو غره بحرية أمة وظاهر المصراة يدل على أن ما حدث في يد المشتري مضمون عليه سواء دلس البائع العيب أو لم يدلسه فإن التصرية تدليس ولم يسقط عن المشتري ضمان اللبن بل ضمنه بصاع من التمر مع كونه قد نهى عن التصرية وقال : [ بيع المحفلات خلابة ولا تحل الخلابة لمسلم ] وقول النبي A : [ الخراج بالضمان ] يدل على أن من له الخراج فعليه الضمان لكونه جعل الضمان علة لوجوب الخراج له فلو كان ضمانه على البائع لكان الخراج له لوجود علته ولأن وجوب الضمان على البائع لا يثبت إلا بنص أو إجماع أو قياس ولا نعلم في هذا نصا ولا إجماعا والقياس إنما يكون على أصل ولا نعلم لهذا أصلا ولا يشبه هذا التغرير بحرية الأمة في النكاح لأنه يرجع على من غره وإن لم يكن سيد الأمة وههنا لو كان التدليس من وكيل البائع لم يرجع عليه بشيء .
فصل : في معرفة العيوب وهي النقائض الموجبة لنقص المالية في عادات التجار لأن المبيع إنما صار محلا للعقد باعتبار صفة المالية فما يوجب نقصا فيها يكون عيبا والمرجع في ذلك إلى العادة في عرف أهل هذا الشأن وهم التجار فالعيوب في الخلقة كالجنون والجذام والبرص والعمى والعور والعرج والعفل والقرن والعتق والرتق والقرع والصمم والطرش والخرس وسائر المرض والأصبع الزائدة والناقصة والحول والخوص والسبل وهو زيادة في الأجفان والتخنيث وكونه خنثى والخصاء والتزوج في الأمة والبخر فيها وهذا كله قول أبي حنيفة و الشافعي ولا أعلم فيه خلافا قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم في الجارية تشتري ولها زوج أنه عيب وكذلك الدين في رقبة العبد إذا كان السيد معسرا والجناية الموجبة للقود لأن الرقبة صارت كالمستحقة لوجوب الدفع في الجناية والبيع في الدين ومستحقة للإتلاف بالقصاص والزنا والبخر عيب في العبد والأمة جميعا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : ليس ذلك بعيب في العبد لأنه لا يراد للفراش والاستمتاع به بخلاف الأمة .
ولنا أن ذلك ينقص قيمته وماليته فإنه بالزنا يتعرض لإقامة الحد عليه والتعزير ولا يأمنه سيده على عائلته وحريمه والبخر يؤذي سيده ومن جالسه وخاطبه أو ساره وأما السرقة والاباق والبول في الفراش فهي عيوب في الكبير الذي جاوز العشر وقال أصحاب أبي حنيفة في الذي يأكل وحده ويشرب وحده وقال الثوري و إسحاق : ليس بعيب فيه حتى يحتلم لأن الإحكام تتعلق به من التكليف ووجوب الحدود ببلوغه فكذلك هذا ولنا أن الصبي العاقل يتحرز من هذا عادة كتحرز الكبير فوجوده منه في تلك الحال يدل على أن البول لداء في باطنه والسرقة والاباق لخبث في طبعه وحد ذلك بالعشر لأمر النبي A بتأديب الصبي على ترك الصلاة عندها والتفريق بينهم في المضاجع لبلوغها فأما من دون ذلك فتكون هذه الأمور منه لضعف علقه وعدم تثبته وكذلك إن كان العبد يشرب الخمر أو يسكر من النبيذ نص عليه أحمد لأنه يوجب عليه الحد فهو كالزنا وكذلك الحمق الشديد والاستطالة على الناس لأنه يحتاج إلى التأديب وربما تكرر فافضى إلى تلفه ولا يكون عيبا إلا في الكبير دون الصغير لأنه منسوب إلى فعله وعدم الختان ليس بعيب في الصغير لأنه لم يفت وقته ولا في الأمة الكبيرة وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب أبي حنيفة : وهو عيب فيها لأنه زيادة ألم فأشبهت العبد ولنا أنه ليس بواجب في حقها والألم فيه يسير لا يخشى منه التلف بخلاف العبد الكبير فأما العبد الكبير فإن كان مجلوبا من الكفار فليس ذلك بعيب فيه لأن العادة أنهم لا يختتون فصار ذلك معلوما عند المشتري فهو كدينهم وإن كن مسلما مولدا فهو عيب فيه لأنه يخشى عليه منه وهو خلاف العادة .
فصل : والثيوبة ليست عيبا لأن الغالب على الجواري الثيوبة فالإطلاق لا يقتضي خلافها وكونه محرمة على المشتري بنسب أو رضاع ليس بعيب إذ ليس في المحل ما يوجب خللا في المالية ولا نقصا وإنما التحريم مختص به وكذلك الإحرام والصيام لأنهما يزولان قريبا وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي : ولا نعلم لهما مخالفا وكذلك عدة البائن وأما عدة الرجعية فهي عيب لأن الرجعية زوجة ولا يؤمن ارتجاعه لها .
ومعرفة الغناء والحجامة ليست بعيب وحكي عن مالك في الجارية المغنية أن ذلك عيب فيها لأن الغناء محرم ولنا أن هذا ليس بنقص في عينها ولا قيمتها فلم يكن عيبا كالصناعة ولان نسلم أن الغناء محرم وإن سلمناه فالمحرم استعماله لا معرفته والعسر ليس بعيب وكان شريح يرد به ولنا أنه ليس بنقص وعمله بإحدى يديه يقوم مقام عمله بالأخرى والكفر ليس بعيب وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة : هو عيب لأنه نقص بدليل قول الله تعالى : { ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم } .
ولنا أن العبيد يكون فيهم المسلم والكافر والأصل فيهم الكفر فالإطلاق لا يقتضي خلاف ذلك وكون المؤمن خيرا من الكافر لا يقتضي كون الكفر عيبا كما أن المتقي خير من غيره قال الله تعالى : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وليس عدم ذلك عيبا وكونه ولد زنا ليس بعيب وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : هو عيب في الجارية لأنها تراد للافتراش بخلاف العبد ولنا أن النسب في الرقيق غير مقصود بدليل أنهم يشترون مجلوبين غير معروفي النسب وكون الجارية لا تحسن الطبخ أو الخبز أو نحو هذا ليس بعيب لأن هذه حرفة فلم ين فواتها عيبا كسائر الصنائع وكونها لا تحيض ليس بعيب وقال الشافعي هو عيب إذا كان لكبر لأن من لا تحيض لا تحمل ولنا أن الإطلاق لا يقتضي ولا عدمه فلم يكن فواته عيبا كما لو كان لغير الكبر