المبيع المعيب إذا حدث به عيب آخر عند المشتري .
مسألة : قال : وإن كانت بكرا فأراد ردها كان عليه ما نقصها .
يعني الأمة البكر إذا وطئها المشتري ثم ظهر على عيب فردها كان عليه أن يرد معها أرش النقص وعن أحمد في جوازها ردها روايتان إحداهما لا يردها ويأخذ أرش العيب وبه قال ابن سيرين و الزهري و الثوري و الشافعي و أبو حنيفة و إسحاق قال ابن أبي موسى : وهو الصحيح عن أحمد والرواية الثانية يردها ويرد معها شيئا وبه قال شريح و سعيد بن شريح و سعيد بن المسيب و النخعي و الشعبي و مالك و ابن أبي ليلى و أبو ثور والواجب رد ما نقص قيمتها بالوطء فإذا كانت قيمتها بكرا عشرة وثيبا ثمانية رد دينارين لأنه بفسخ العقد يصير مضمونا عليه بقيمته بخلاف أرش العيب الذي يأخذه المشتري وهذا قول مالك و أبي ثور وقال شريح و النخعي : يرد عشر ثمنها وقال سعيد بن المسيب : يرد عشرة دنانير وما قلناه أولى إن شاء الله تعالى واحتج من منع ردها بأن الوطء نقص عينها وقيمتها فمل يملك ردها كما لو اشترى عبدا فخصاه فنقصت قيمته ولنا أنه عيب حدث عند أحد المتبايعين فأثبت الخيار كالعيب الحادث عند البائع قبل القبض .
فصل : وكل مبيع كان معيبا ثم حدث به عند المشتري عيب آخر قبل علمه بالأول فعن أحمد C فيه روايتان إحداهما : ليس له الرد أرش العيب القديم وبه قال الثوري و ابن شبرمة و الشافعي وأصحاب الرأي وروي ذلك عن ابن سيرين و الزهري و الشعبي لأن الرد ثبت لإزالة الضرر وفي الرد على البائع إضرار به ولا يزال الضرر بالضرر والثانية : له الرد ويرد أرش العيب الحادث عنده ويأخذ الثمن وإن شاء أمسكه وله الأرش وبهذا قال مالك و إسحاق وقال النخعي و حماد بن أبي سليمان : يرده ونقصا العيب وقال الحكم : يرده لم يذكر معه شيئا .
ولنا حديث المصراة فإن النبي A أمر بردها بعد حلبها ورد عوض لبنها واحتج أحمد بأن عثمان بن عفان Bه قضى في الثوب إذا كان به عوار برده وإن كان قد لبسه ولأنه عيب حدث عند المشتري فكان له الخيار بين رد المبيع وأرشه وبين أخذ أرش العيب القديم كما لو كان حدوثه لاستعلام المبيع ولأن العيبين قد استويا والبائع قد دلس به والمشتري لم يدلس فكان رعاية جانبه أولى ولأن الرد كان جائزا قبل حدوث العيب الثاني فلا يزول إلا بدليل وليس في المسألة إجماع ولا نص والقياس إنما يكون على أصل وليس لما ذكروه أصل فيبقى الجواز بحاله إذا ثبت هذا فإنه يرد أرش العيب الحادث عنده لأن المبيع بجملته مضمون عليه فكذلك أجزاؤه وإن زال العيب الحادث عند المشتري رده ولا أرش معه على كلتا الروايتين وبه قال الشافعي لأنه زال المانع مع قيام السبب المقتضي للرد فثبت حكمه ولو اشترى أمة فحملت عنده ثم أصاب بها عيبا فالحمل عيب في الآدميات دون غيرهن لأنه يمنع الوطء ويخاف منه التلف فإن ولدت فالولد للمشتري وإن نقصتها والولادة فذلك عيب أيضا وإن لم تنقصها الولادة ومات الولد جاز ردها لأنه زال العيب وإن كان ولدها باقيا لم يكن له ردها دون ولدها لأن ذلك تفريق بينهما وهو محرم وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب في مسائلهما : له الفسخ فيها دون ولدها وهو قول أكثر أصحاب الشافعي ولأنه موضع حاجة فأشبه ما لو ولدت جرا فإنه يجوز بيعها دون ولدها ولنا عموم قول النبي A : [ من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ] ولأنه أمكن دفع الضرر بأخذ الأرش أو برد ولدها معها فلم يجز ارتكاب منهي الشرع بالفريق بينهما كما لو أراد الإقالة فيها دون ولدها وقولهم أن الحاجة داعية إليه قلنا قد اندفعت الحاجة بأخذ الأرش إما إذا ولدت حرا فلا سبيل إلى بيعه معها بحال ولو كان المبيع حيوانا غير الآدمي فحدث به حمل عند المشتري لم يمنع الرد بالعيب لأنه زيادة وإن علم بالعيب بعد الوضع ولم تنقصه الولادة فله إمساك الولد ورد الأم لأن التفريق بينهما جائز ولا فرق بينه حملها قبل القبض أو بعده ولو اشتراها حاملا فولدت عنده ثم اطلع على العيب فردها رد الولد معها لأنه من جملة المبيع والزيادة فيه نماء متصل بالمبيع فأشبه ما لو سمنت الشاة فإن تلف الولد فهو كتعيب المبيع عنده فإن قلنا له الرد فعليه قيمته إن اختار رد الأم وعن أحمد أنه لا قيمة عليه للولد وحمله القاضي على أن البائع دلس العيب وإن نقصت الأم بالولادة فهو عيب حادث حكمه حكم العيوب الحادثة ويمكن حمل كلام أحمد على أن الحمل لا حكم له وهذا أحد القولين للشافعي فعلى هذا يكو الولد حينئذ للمشتري فلا يلزمه رده إن كان باقيا ولا قيمته إن كان تالفا والأول هو الصحيح وعليه العمل إن شاء الله تعالى