خيار العيب وحكم رد المبيع وزيادته المتصلة والمنفصلة .
مسألة : قال : وإذا اشترى أمة ثيبا فأصابها أو استغلها ثم ظهر على عيب كان مخيرا بين أن يردها ويأخذ الثمن كاملا لأن الخراج بالضمان والوطء كالخدمة وبين أن يأخذ ما بين الصحة والعيب .
في هذه المسألة فصول خمسة : .
الفصل الأول : أن من علم بسلعته عيبا لم يجز بيعها حتى يبينه للمشتري فإن لم يبينه فهو أتم عاص نص عليه أحمد لما روى حكيم بن حزام [ عن النبي A أنه قال : البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما وإن كذبا وكتما محق بركة بيعهما ] و [ قال عليه السلام : المسلم أخو المسلم لا يحل لمسلم باع من أخي بيعا إلا بينه له ] وقال : [ من باع عيبا لم يبينه لم يزل في مقت الله ولم تزل الملائكة تلعنه ] رواهما ابن ماجة وروى الترمذي [ أن النبي A قال : من غشنا فليس منا ] وقال : هذا حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم كرهوا الغش وقالوا هو حرام فإن باعه ولم يبينه فالبيع صحيح في قول أكثر أهل العلم منهم مالك و أبو حنيفة و الشافعي وحكي عن أبي بكر عبد العزيز أن البيع باطل لأنه منهي عنه والنهي يقتضي الفساد ولنا أن النبي A نهى عن التصرية وصحح البيع وقد روي عن أبي بكر أنه قيل له ما تقول في المصراة ؟ فلم يذكر جوابا .
الفصل الثاني : أنه متى علم بالبيع عيبا لم يكن عالما به فله الخيار بين الإمساك والفسخ سواء كان البائع علم العيب وكتمه أو لم يعلم لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافا وإثبات النبي A الخيار بالتصرية تنبيه على ثبوته بالعيب ولأن مطلق العقد يقتضي السلامة من العيب بدليل ما روي [ عن النبي A أنه اشترى مملوكا فكتب هذا ما اشترى محمد بن عبد الله من العداء بن خالد اشترى منه عبدا أو أمة لا داء به ولا غائلة بيع المسلم السلم ] فثبت أن بيع المسلم اقتضى السلامة ولأن الأصل السلامة والعيب حادث أو مخالف للظاهر فعند الإطلاق يحمل عليه فمتى فاتت فات بعد مقتضى العقد فبلم يلزمه أخذه بالعوض وكان له الرد وأخذ الثمن كاملا .
فصل : خيار الرد بالعيب على التراخي فمتى علم العيب فأخر الرد لم يبطل خياره حتى يوجد منه ما يدل على الرضا ذكره أبو الخطاب وذكر القاضي شيئا يدل على أن فيه روايتين إحداهما : هو على التراخي والثانية : هو على الفور وهو مذهب الشافعي فمتى علم العيب فأخر رده مع إمكانه بطل خياره لأنه يدل على الرضا به فأسقط خياره كالتصرف فيه ولنا أنه خيار لدفع ضرر متحقق فكان على التراخي كالقصاص ولا نسلم دلالة الإمساك على الرضا به .
الفصل الثالث : أنه لا يخلو المبيع من أن يكون بحاله فإنه يرده ويأخذ رأس ماله أو يكون قد زاد بعد العقد أو جعلت له فائدة فذلك قسمان أحدهما : أن تكون الزيادة متصلة كالسمن والكبر والتعلم والحمل قبل الوضع والثمرة قبل التأبيرة فإنه يردها بنمائها لأنه يتبع في العقود والفسوخ القسم الثاني : أن تكون الزيادة منفصلة وهي نوعان أحدهما : أن تكون الزيادة من غير عين المبيع كالكسب وهو معنى قوله أو استغلها يعني أخذ غلتها وهي منافعها الحاصلة من جهتها كالخدمة والأجرة والكسب وكذلك ما يوهب أو يوصى له به فكل ذلك للمشتري في مقابلة ضمانه لأن العبد لو هلك هلك من مال المشتري وهو معنى قوله عليه السلام : [ الخراج بالضمان ] ولا نعلم في هذا خلافا وقد روى ابن ماجة عن هشام بن عمار عن مسلم بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه [ عن عائشة Bه أن رجلا اشترى عبدا فاستغله ما شاء الله ثم وجد به عيبا فرده فقال يا رسول الله : إنه استغل غلامي فقال رسول الله A : الخراج بالضمان ] ورواه أبو داود و الشافعي ورواه سعيد في سننه عن مسلم بهذا الإسناد وقال فيه : [ الغلة بالضمان ] وبهذا قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي : ولا نعلم عن غيرهم خلافهم النوع الثاني : أن تكون الزيادة من عين المبيع كالولد والثمرة واللبن فهي للمشتري أيضا ويرد الأصل دونها وبهذا قال الشافعي وقال مالك : إن كان النماء ثمرة لم يردها وإن كان ولدا رده معها لأن الرد حكم فسرى إلى ولدها كالكتابة وقال أبو حنيفة النماء الحادث في يد المشتري يمنع الرد لأنه لا يمكن رد الأصل بدونه لأنه من موجبه فلا يرفع العقد مع بقاء موجبه ولا يمكن رده معه لأنه لم يتناوله العقد ولنا أنه حادث في ملك المشتري فلم يمنع الرد كما لو كان يد البائع وكالكسب ولأنه نماء منفصل فجاز رد الأصل بدونه كالكسب والثمرة عند مالك وقولهم إن النماء موجب العقد غير صحيح إنما موجبه الملك ولو كان موجبا للعقد لعاد إلى البائع الفسخ وقول مالك لا يصح لأن الولد ليس بمبيع فلا يمكن رده بحكم رد الأم ويبطل ما ذكره بنقل الملك بالهبة والبيع وغيرهما فإنه لا يسري إلى الولد بوجوده في الأم وإن كان قد نقص فهذا نذكر نحكمه إن شاء الله تعالى .
الفصل الرابع : إن كان المبيع جارية ثيبا فوطئها المشتري قبل علمه بالعيب فله ردها وليس معها شيء وروي ذلك عن زيد بن ثابت وبه قال مالك و الشافعي و أبو ثور و عثمان البتي وعن أحمد رواية أخرى أنه يمنع الرد ويروى ذلك عن علي Bه قال الزهري و الثوري و أبو حنيفة و إسحاق لأن الوطء يجري مجرى الجناية لأنه لا يخلو في ملك الغير من عقوبة أو مال فوجب أن يمنع الرد كما لو كانت بكرا وقال شريح و الشعبي و النخعي و سعيد بن المسيب و ابن أبي ليلى : يردها ومعها أرش .
واختلفوا فيه فقال شريح و النخعي : نصف عشر ثمنها وقال الشعبي : حكومه وقال ابن المسيب : عشرة دنانير وقال ابن أبي ليلى : مهر مثلها وحكي نحو قوله عن عمر بن الخطاب Bه وذكره ابن أبي موسى رواية عن أحمد أنه إذا فسخ صار واطئا في ملك الغير لكون الفسخ رفعا للعقد من أصله ولنا أنه معنى لا ينقص عينا ولا قيمتها ولا يتضمن الرضا بالعيب فلا يمنع الرد كالاستخدام وكوطء الزوج وما قالوه يبطل بوطء الزوج ووطء البكر بنقص ثمنها وقولهم يكون واطئا في ملك الغير ليس بصحيح لأن الفسخ رفع للعقد من حينه لا من أصله بدليل أنه لا يبطل الشفعة ولا يوجب رد الكسب فيكون وطؤه في ملكه