ضمان المبيع قبل القبض وقبض المبيع وكلفة الكيل والوزن .
مسألة : قال : وإذا وقع البيع على مكيل أو على موزون أو معدود فتلف قبل قبضه فهو من مال البائع .
ظاهر كلام الخرقي أن المكيل والموزون والمعدود لا يدخل في ضمان المشتري إلا بقبضه سواء كان متعينا كالصبرة أو غير كقفيز منها وهو ظاهر كلام أحمد ونحوه قول إسحاق وروي عن عثمان بن عفان و سعيد بن المسيب و الحسن و الحكم و حماد بن أبي سليمان أن كل ما بيع على الكيل والوزن لا يجوز بيعه قبل قبضه وما ليس بمكيل ولا موزون يجوز بيعه قبل قبضه وقال القاضي وأصحابه : المراد بالمكيل والموزون والمعدود ما ليس بمتعين منه كالقفيز من صبرة والرطل من زبرة ومكيلة زيت من دن فأما المتعين فيدخل في ضمان المشتري كالصبرة يبيعها من غير تسمية كيل وقد نقل عن أحمد ما يدل على قولهم فإنه قال في رواية أبي الحارث في رجل اشترى طعاما فطلب من يحمله فرجع وقد أحترق الطعام فهو من مال المشتري واستبدل بحديث ابن عمر : ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المشتري وذكر الجوزجاني عنه فيمن اشترى ما في السفينة صبرة ولم يسم كيلا فلا بأس أن يشرك فيها ويبيع ما شاء إلا أن يكون بينهما كيل فلا يولي حتى يكال عليه ونحو هذا قال مالك فإنه قال : ما بيع من الطعام مكايلة أو موازنة لم يجز بيعه قبل قبضه وما بيع مجازفة أو بيع من غير الطعام مكايلة أو موازنة جاز بيعه قبل قبضه ووجه ذلك ما روى الأوزاعي عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع عبد الله بن عمر يقول : مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع رواه البخاري عن ابن عمر من قوله تعليقا وقول الصحابي مضت السنة يقتضي سنة النبي A ولأن المبيع المعين لا يتعلق به حق توفيه فكان من مال المشتري كغير المكيل والموزون ونقل عن أحمد أن المطعوم لا يجوز بيعه قبل قبضه سواء كان مكيلا أو موزونا أو لم يكن وهذا يقتضي أن الطعام خاصة لا يدخل في ضمان المشتري حتى يقبضه فإن الترمذي روى عن أحمد أنه أرخص في بيع ما لا يكال ولا يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب قبل قبضه وقال الأثرم : سألت أبا عبد الله عن قوله نهى عن ربح ما لا يضمن قال : هذا في الطعام وما أشبهه من مأكول أو مشروب فلا يبيعه حتى يقبضه قال ابن عبد البر : الأصح عن أحمد بن حنبل أن الذي يمنع من بيعه قبل قبضه هو الطعام وذلك لأن النبي A نهى عن بيع الطعام قبل قبضه فمفهومه إباحة بيع ما سواه قبل قبضه وروى ابن عمر قال : رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله A أن يبيعوه حتى يؤوه إلى رحالهم وهذا نص في بيع المعين وعموم قوله عليه السلام : [ من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه ] متفق عليهما و لمسلم [ عن ابن عمر قال : كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله A أن نبيعه حتى ننقله من مكانه ] وقال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاما فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه ولو دخل في ضمان المشتري جاز له بيعه والتصرف فيه كما بعد القبض وهذا يدل على تعميم المنع في كل طعام مع تنصيصه على المبيع مجازفة بالمنع وهو خلاف قول القاضي وأصحابه ويدل بمفهومة على أن ما عدا الطعام يخالفه في ذلك ووجه قول الخرقي أن الطعام المنهي عن بيعه قبل قبضه لا يكاد يخلو من كونه مكيلا أو موزونا أو معدودا فتعلق الحكم بذلك كتعلق ربا الفضل به ويحتمل أنه أراد المكيل والموزون والمعدود من الطعام الذي ورد النص بمنع بيعه وهذا أظهر دليلا وأحسن إذا ثبت هذا فإنه إن تلف المبيع من ذلك قبل قبضه سماوية بطل العقد ورجع المشتري بالثمن وإن تلف بفعل المشتري استقر الثمن عليه وكان كالقبض لأنه تصرف فيه وإن أتلفه أجنبي لم يبطل العقد على قياس قوله في الجائحة ويثبت للمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن لأن التلف حصل في يد البائع فهو كحدوث العيب في يده وبين البقاء على العقد ومطالبة المتلف بالمثل إن كان مثليا وبهذا قال الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا وإن أتلفه البائع فقال أصحابنا : الحكم فيه كما لو أتلفه أجنبي لأنه أتلفه من يلزمه ضمانه فأشبه ما لو أتلفه أجني وقال الشافعي : ينفسخ العقد ويرجع المشتري بالثمن لا غير لأنه تلف يضمنه به البائع فكان الرجوع عليه بالثمن كالتلف بفعل الله تعالى وفرق أصحابنا بينهما بكونه إذا تلف بفعل الله تعالى لم يوجد مقتض للضمان سوى حكم العقد بخلاف ما إذا أتلفه فإن إتلافه يقتضي الضمان بالمثل وحكم العقد يقتضي الضمان بالثمن فكانت الخيرة إلى المشتري في التضمين بأيهما شاء .
فصل : ولو تعيب في يد البائع أو تلف بعضه بأمر سماوي فالمشتري مخير بين قبوله ناقصا ولا شيء له وبين فسخ العقد والرجوع بالثمن لأنه إن رضيه معيبا فكأنه اشترى معيبا هو عالم بعيبه ولا يستحق شيئا من أجل العيب وإن فسخ العقد لم يكن له أكثر من الثمن لأنه لو تلف المبيع كله لم يكن له أكثر من الثمن فإذا تعيب أو تلف بعضه كان أولى وإن تعيب بفعل المشتري أو تلف بعضه لم يكن له فسخ لذلك لأنه أتلف ملكه فلم يرجع على غيره وإن كان ذلك بفعل البائع فقياس قول أصحابنا أن المشتري مخير بين الفسخ والرجوع بالثمن وبين أخذه والرجوع على البائع بعوض ما أتلف أو عيب وقياس قول الشافعي أن يكون بمنزلة ما لو تلف بفعل الله تعالى وإن كان بفعل أجنبي فله الخيار بين الفسخ والمطالبة بالثمن وبين أخذ المبيع ومطالبة المتلف بعوض ما أتلف .
فصل : ولو باع شاة بشعير فأكلته قبل قبضه فإن كانت في يد المشتري فهو كما لو أتلفه وإن كانت في يد البائع فهو بمنزلة إتلافه له وكذلك إن كانت في يد أجنبي فهو كإتلافه فإن لم يكن في يد أحد انفسخ البيع لأن المبيع هلك قبل القبض بأمر لا ينسب إلى آدمي فهو كتلفه بفعل الله تعالى .
فصل : ولو اشترى شاة أو عبدا أو شقصا بطعام فقبض الشاة أو العبد أو باعهما أو أخذ الشقص بالشفعة ثم تلف قبل قبضه انفسخ العقد الأول دون الثاني ولا يبطل الأخذ بالشفعة لأنه كمل قبل فسخ العقد ويرجع مشتري الطعام على مشتري الشاة والعبد والشقص بقيمة ذلك لتعذر رده وعلى الشفيع مثل الطعام لأنه عوض الشقص .
مسألة : قال : وما عداه فلا يحتاج فيه إلى قبض وإن تلف فهو من مال المشتري .
يعني ما عدا المكيل والموزون والمعدودة فإنه يدخل في ضمان المشتري قبل قبضه وقال أبو حنيفة : كل مبيع تلف قبل قبضه من ضمان البائع إلا العقار وقال الشافعي : كل مبيع من ضمان البائع حتى يقبضه المشتري وحكي أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى كقوله لأن ابن عباس قال : أرى كل شيء بمنزلة الطعام ولأن التسليم واجب على البائع لأنه في يده فإذا تعذر بتلفه انفسخ العقد كالمكيل والموزون والمعدود ولنا قول النبي A : [ الخراج بالضمان ] وهذا المبيع نماؤه للمشتري فضمانه عليه وقول ابن عمر مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع ولأنه لا يتعلق به حق توفيه وهو من ضمانه قبضه فكان من ضمانه قبله كالميراث وتخصيص النبي A الطعام بالنهي عن بيعه قبل قبضه دليل على مخالفة غيره له .
فصل : والمبيع بصفة أو رؤية متقدمة من ضمان البائع حتى يقبضه المبتاع لأنه يتعلق به حق توفيه فجرى مجرى المكيل والموزون قال أحمد : لو اشترى من رجل عبدا بعينه فمات في يد البائع فهو من مال المشتري إلا أن يطلبه فيمنعه البائع فهو ضامن لقيمته حين عطب ولو حبسه ببقية الثمن فهو غاصب ولا يكون رهنا إلا أن يكون قد اشترط عليه في نفس الرهن .
فصل : وقبض كل شيء بجنسه فإن كان مكيلا أو موزونا بيع كيلا أو موزونا فقبضه بكيله ووزنه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : التخلية في ذلك قبض وقد روى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى أن القبض في كل شيء بالتخلية مع التمييز لأنه خلى بينه وبين المبيع من غير حائل فكان قبضا له كالعقار ولنا ما روى أبو هريرة [ أن رسول الله A قال : إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل ] رواه البخاري و [ عن النبي A أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري ] رواه ابن ماجة وهذا فيما بيع كيلا وإن بيع جزافا فقبضه نقله لأن ابن عمر قال : كانوا يضربون على عهد رسول الله A إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانه حتى يحولوه وفي لفظ : كنا نبتاع الطعام جزافا فيبعث عليها من يأمرنا بانتقاله من مكانه الذي ابتعناه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه وفي لفظ : [ كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله A أن نبيعه حتى ننقله ] رواه مسلم وهذا يبين أن الكيل إنما وجب فيما بيع بالكيل وقد دل على ذلك أيضا قول النبي A [ إذا سميت الكيل فكل ] رواه الأثرم وإن كان المبيع دراهم أو دنانير فقبضها باليد وإن كان ثيابا فقبضها نقلها وإن كان حيوانا فقبضه تمشيته من مكانه وإن كان مما لا ينقل ويحول فقبضه التخلية بينه وبين مشتريه لا حائل دونه وقد ذكره الخرقي في باب الرهن فقال : إن كان مما ينقل فقبضه أخذه إياه من راهنه منقولا وإن كان مما لا ينقل فقبضه تخلية راهنة بينه وبين مرتهنة لا حائل دونه ولأن القبض مطلق في الشرع فيجب الرجوع فيه إلى العرف كالإحراز والتفرق والعادة في قبض هذه الأشياء ما ذكرنا .
فصل : وأجرة الكيال والوزان في المكيل والموزون على البائع لأن عليه تقبيض المبيع للمشتري والقبض لا يحصل إلا بذلك فكان على بائع كما أن على بائع الثمرة سقيها وكذلك أجرة الذي بعد المعدودات وأما نقل المنقولات وما أشبهه فهو على المشتري لأنه لا يتعلق به حق توفيه نص عليه أحمد .
فصل : ويصح القبض قبل نقد الثمن وبعده باختيار البائع وبغير اختياره لأنه ليس للبائع حبس المبيع على قبض الثمن ولأن التسليم من مقتضيات العقد فمتى وجد بعده وقع موقعه كقبض الثمن