ما يعتبر من المبيع أرض العرية المعادن الجامدة بئر أو عين الماء .
فصل : إذا باعه أرضا بحقوقها دخل ما فيها من غراس وبناء في البيع وكذلك إذا قال : رهنتك هذه الأرض دخل في الرهن غراساها وبناؤها وإن لم يقل بحقوقها فهل يدخل الغراس والبناء فيهما ؟ على وجهين ونص الشافعي على أنهما يدخلان في البيع دون الرهن واختلف أصحابه في ذلك فمنهم من قال فيهما جميعا قولان ومنهم من فرق بينهما بكون البيع أقوى فيستتبع البناء والشجر بخلاف الرهن ومنهم من قال : إنما سواء لأن ما تبع في البيع تبع في الرهن كالطرق والمنافع جميعا وجهان أحدهما : يدخل البناء والشجر لأنهما من حقوق الأرض ولذلك يدخلان إذا قال بحقوقها وما كان من حقوقها يدخل فيها بالإطلاق كطرقها ومنافعها والثاني : لا يدخلان لأنهما ليسا من حقوق الأرض فلا يدخلان في بيعها ورهنها كالثمرة المؤبرة ومن نصر الأول فرق بينهما بكون الثمرة تراد للنقل وليست من حقوقها بخلاف الشجر والبناء فإن قال : بعتك هذا البستان فيه الشجر لأن البستان اسم للأرض والشجر والحائط ولذلك لا تسمى الأرض المكشوفة بستانا قال ابن عقيل : ويدخل فيه البناء لأن ما دخل فيه الشجر دخل فيه البناء ويحتمل أن لا يدخل .
فصل : وإن باعه شجرا لم تدخل الأرض في البيع ذكره أبو إسحاق بن شاقلا لأن الاسم لا يتناولها ولا هي تبع للمبيع .
فصل : وإن قال : بعتك هذه القرية فإن كانت في اللفظ قرينة مثل المساومة على أرضها أو ذكر الزرع والغرس فيها وذكر حدودها أو بذل ثمن لا يصلح إلا فيها وفي أرضها دخل في البيع لأن الاسم يجوز أن يطلق عليها مع أرضها والقرينة صارفة إليه ودالة عليه فأشبه ما لو صرح به وإن لم يكن قرينة تصرف إلى ذلك فالبيع يتناول البيوت والحصن الدائر عليها فإن القرية اسم لذلك وهو مأخوذ من الجمع لأنه يجمع الناس وسواء قال : بحقوقها أو لم يقل وأما الغراس بين بنيانها فحكمه حكم الغراس في الأرض أن قال : بحقوقها دخل وإن لم يقل فعلى وجهين .
فصل : ومن باعه دارا بحقوقها تناول البيع أرضها وبناءها وما هو متصل بها مما هو من مصلحتها كالأبواب المنصوبة والخوابي المدفونة والرفوف المسمرة والأوتاد المغروزة والحجر المنصوب من الرحى وأشباه ذلك ولا يدخل في البيع ما ليس من مصالحها كالكنز والأحجار المدفونة لأن ذلك مودع فيها للنقل عنها فأشبه الفرش والستور ولا ما كان منفصلا عنها يختص بمصلحتها كالفرش والستور والطعام والرفوف الموضوعة على الأوتاد بغير تسمير ولا غرز في الحائط والدلو والبكرة والقفل وحجر الرحى إذا لم يكن واحد منهما منصوبا والخوابي الموضوعة من غير أن يطين عليها ونحوه لأنه منفصل عنها لا يختص بمصلحتها فأشبه الثياب وأما ما كان من مصالحها لكنه منفصل عنها كالمفتاح والحجر الفوقاني من الرحى إذا كان السفلاني منصوبا فيحتمل وجهين أحدهما : يدخل في البيع لأنه لمصلحتها فأشبه المنصوب فيها والثاني : لا يدخل لأنه منفصل عنها فأشبه السفلاني إذا لم يكن منصوبا والقفل والدلو ونحوهما ومذهب الشافعي في هذا كمذهبنا سواء .
فصل : وما كان في الأرض من الحجارة المخلوقة فيها أو مبني فيها كأساسات الحيطان المتهدمة فهي للمشتري بالبيع لأنه من أجزائها فهي كحيطانها وترابها والمعادن الجامدة فيها والآجر كالحجارة في هذا وإذا كان المشتري عالما بذلك فلا خيار له وإن لم يكن عالما به وكان ذلك يضر بالأرض وينقصها كالصخر المضر بعروق الشجر فهو عيب وللمشتري الخيار بين الفسخ وأخذ الثمن أو الإمساك وأخذ أرش العيب كما في سائر المبيع فأما إن كانت الحجارة أو الآجر مودعا فيها للنقل عنها فهي للبائع كالكنز وعليه نقلها وتسوية الأرض إذا نقلها وإصلاح الحفر لأنه ضرر لحق لاستصلاح ملكه فكان عليه إزالته وإن كان قلعها يضر بالأرض أو تتطاول مدته ولم يكن المشتري عالما فله الخيار كما ذكرنا لأنه عيب وإن لم يكن في نقلها ضرر ويمكن نقلها في أيام يسيرة كالثلاثة فما دون فلا خيار له وله مطالبة البائع بنقلها في الحال لأنه لا عرف في تبقيتها بخلاف الزرع وإن كان عالما بالحال فلا خيار له ولا أجرة في الزمان الذي نقلت فيه لأنه علم بذلك ورضي فأشبه ما لو اشترى أرضا فيها زرع وإن لم يعلم واختار إمساك المبيع فهل له أجرة لزمان النقل على وجهين أحدهما : له ذلك لأن المنافع مضمونة على المتلف فكان عليه بدلها كالأجزاء والثاني : لا يجب لأنه لما رضي بإمساك المبيع بتلف المنفعة في زمان النقل فإن لم يختر الإمساك فقال البائع : أنا أدع ذلك لك وكان مما لا ضرر في بقائه لم يكن له خيار لأن الضرر زال عنه .
فصل : فإن كان في الأرض معادن جامدة كمعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص ونحوها دخلت في البيع وملكت بملك الأرض التي هي فيها لأنها من أجزائها فهي كترابها وأحجارها ولكن لا يباع معدن الذهب بذهب ولا معدن الفضة بفضة ويجوز بيعها بغير جنسها وإن ظهر في الأرض معدن لم يعلم البائع به فله الخيار لأنه زيادة لم يعلم بها فأشبه ما لو باعه ثوبا على أنه عشرة فبان أحد عشر هذا إذا كان قد ملك الأرض بإحياء أو اقطاع وقد روي أن ولد بلال بن الحارث باعوا عمر بن عبد العزيز أرضا فظهر فيها معدن فقالوا إنما بعنا الأرض ولم نبع المعدن وأتوا عمر بن عبد العزيز بالكتاب الذي فيه قطيعة النبي A لأبيهم فأخذه عمر فقبله ورد عليهم المعدن وإن كان البائع ملك الأرض بالبيع احتمل أن لا يكون له خيار لأن الحق لغيره وهو المالك الأول واحتمل أن يكون له الخيار كما لو اشترى معيبا ثم باعه ولم يعلم عيبه فإنه يستحق الرد عليه وإن كان قد باعه مثل ما اشتراه وقد روى أبو طالب عن أحمد أنه إذا ظهر المعدن في ملكه ملكه وظاهر هذا أنه لم يجعله للبائع ولا جعل له خيارا لأنه من أجزاء الأرض فأشبه ما لو ظهر فيها حجارة لها قيمة كبيرة .
فصل : وإذا كان في الأرض بئر أو عين مستنبطة فنفس البئر وأرض العين مملوكة لمالك الأرض والماء الذي فيها غير مملوك لأنه يجري من تحت الأرض إلى ملكه فأشبه الماء الجاري في النهر إلى ملكه وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الآخر : يدخل في الملك لأنه نماء الملك وقد روي عن أحمد ما يدل على أنه يملك فإنه قال رجل له أرض ولآخر ماء فيشترك صاحب الأرض وصاحب الماء في الزرع ويكون بينهما فقال : لا بأس اختاره أبو بكر وهذا يدل على أن الماء مملوك لصاحبه وفي معنى الماء المعادن الجارية في الأملاك كالقار والنفط والمومياء والملح وكذلك الحكم في النابت في أرضه من الكلأ والشوك ففي كل ذلك يخرج على الروايتين في الماء والصحيح أن الماء لا يملك فكذلك هذه قال أحمد : لا يعجبني بيع الماء البتة قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن قوم بينهم نهر تشرب منه أرضوهم لهذا يوم ولهذا يومان يتفقون عليه بالحصص فجاء يومي ولا احتاج إليه أكريه بدراهم ؟ قال ما أدري أما النبي A فنهى عن بيع الماء قيل : أنه ليس يبيعه إنما يكريه قال : إنما احتالوا بهذا ليحسنوه فأي شيء هذا إلا البيع ؟ وروى الأثرم بإسناده عن جابر وإياس بن عبد الله المزني [ أن النبي A نهى أن يباع الماء ] وروى أيضا عن رجل من أصحاب النبي A : قال : [ المسلمون شركاء في ثلاث : في الماء والنار والكلأ ] رواه أبو عبيد في كتاب الأموال فإذا قلنا لا يملك فصاحب الأرض أحق به من غيره لكونه في ملكه فإن دخل غيره بغير إذنه فأخذه ملكه لأنه مباح في الأصل فأشبه ما لو عشش في أرضه طائر أو دخل فيها ظبي أو نضبت عن سمك فدخل إليه داخل فأخذه وأما ما يجوزه من الماء في إنائه أو يأخذه من الكلأ في حبله أو يحوزه في رحله أو يأخذه من المعادن فإنه يملكه بذلك وله بيعه بلا خلاف بين أهل العلم ف [ إن النبي A قال : لأن يأخذ أحدكم حبلا فيأخذ حزمة من حطب فيبيع فيكف الله به وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطي أو منع ] رواه البخاري وروى أبو عبيد في الأموال عن المشيخة أن النبي A نهى عن بيع الماء إلا ما حمل منه وعلى ذلك مضت العادة في الأمصار ببيع الماء في الروايا والحطب والكلأ من غير نكير وليس لأحد أن يشرب منه ولا يتوضأ ولا يأخذ إلا بإذن مالكه وكذلك لو وقف على بئره أو بئر مباح فاستقى بدلوه أو بدولاب أو نحوه فما يرقيه من الماء فهو ملكه وله بيعه لأنه ملكه بأخذه في إنائه قال أحمد : إنما نهى عن بيع فضل ماء البئر والعيون في قراره ويجوز بيع البئر نفسها والعين ومشتريها أحق بمائها وقد [ روي أن النبي A قال : من يشتري بئر رومة يوسع بها على المسلمين وله الجنة ؟ أو كما قال فاشتراها عثمان بن عفان Bه من يهودي بأمر النبي A وسبلها للمسلمين وكان اليهودي يبيع ماءها ] وروي أن عثمان اشترى منه نصفها باثني عشر ألفا ثم قال لليهودي : اختر إما أن تأخذها يوما وآخذها أنا يوما وأما أن تنصب لك عليها دلوا وأنصب عليها دلوا فاختار يوما ويوما فكان الناس يستقون منها في يوم عثمان لليومين فقال اليهودي : أفسدت علي بئري فاشتر باقهيا فاشتراه بثمانية آلاف وفي هذا دليل على صحة بيعها وتسبيلها وصحة بيع ما يستقيه منها وجواز قسمه مائها بالمهايأة وكون مالكها أحق بمائها وجواز قسمه ما فيه حق وليس بمملوك فأما المياه الجارية فما كان نابعا في غير ملك كالأنهار الكبار وغيرها لم تملك بحال ولو دخل إلى أرض رجل لم يملكه بذلك كالطير يدخل إلى أرضه ولكل واحد أخذه ولا يملكه إلا أن يجعل له في أرضه مستقرا كالبركة والقرار أو يحتفر ساقية يأخذ فيها من ماء النهر الكبير فيكون أحق بذلك الماء من غيره كنقع البئر وإن كان ما يستقر في البركة لا يخرج منها فالأولى أنه يملكه بذلك على ما سنذكره في مياه الأمطار وما كان نابعا أو مستبطا كالقني فهو كنقع البئر وفيه من الخلاف ما فيه فأما المصانع المتخذة لمياه الأمطار تجمع فيها ونحوها من البرك وغيرها فالأولى أنه يملك ماءها ويصح بيعه إذا كان معلوما لأنه مباح حصله بشيء معد له فملكه كالصيد يحصل في شبكته والسمك في بركة معدة له ولا يجوز أخذ شيء منه إلا بإذن مالكه