فروع في بيع الشجر المثمر .
فصل : فأما الأغصان والورق وسائر أجزاء الشجر فهو للمشتري بكل حال لأنه من أجزائها خلق لمصلحتها فهو كأجزاء سائر المبيع ويحتمل أن يكون ورق التوت الذي يقصد أخذه لتربيه دود القز إن تفتح فهو للبائع وإلا فهو للمشتري لأنه بمنزلة الجنبذ الذي يتفتح فيظهر نوره من الورد وغيره وهذا في المواضع التي عادتهم أخذ الورق وإن لم تكن عادتهم ذلك فهو للمشتري كسائر ورق الشجر والله أعلم .
فصل : وإذا كانت الثمرة للبائع مبقاة في شجر المشتري فاحتاجت إلى سقي لم يكن للمشتري منعه منه لأنه يبقى به فلزمه تمكينه منه كتركه على الأصول وإن أراد سقيها من غير حاجة فللمشتري منعه منه لأن بسقيه يتضمن التصرف في ملك غيره ولأن الأصل منعه من التصرف في ملك غيره وإنما أباحته الحاجة فإن لم توجد الحاجة يبقى على أصل المنع فإن احتاجت إلى السقي وفيه ضرر على الشجر أو احتاج الشجر إلى سقي يضر بالثمرة فقال القاضي : أيهما طلب السقي لحاجته أجبر الآخر عليه لأنه دخل في العقد على ذلك فإن المشتري اقتضى عقده تبقيه الثمرة والسقي من تبقيتها والعقد اقتضى تمكين المشتري من حفظ الأصول وتسليمها فلزم كل واحد منهما ما أوجبه العقد للآخر وإن أضر به وإنما له أن يسقي بقدر حاجته فإن اختلفا في قدر الحاجة رجع إلى أهل الخبرة وأيهما التمس السقي فالمؤنة عليه لأنه لحاجته .
فصل : فإن خيف على الأصول الضرر بتبقية الثمرة عليها لعطش أو غيره والضرر يسير لم يجبر على قطعها لأنها مستحقة للبقاء فلم يجبر على إزالتها لدفع ضرر يسير عن غيره وإن كان كثيرا فخيف على الأصول الجفاف أو نقص حملها ففيه وجهان أحدهما : لا يجبر أيضا لذلك الثاني : يجبر على القطع لأن الضرر يلحقها وإن لم تقطع والأصول تسلم بالقطع فكان القطع أولى وللشافعي قولان كالوجهين .
فصل : وإذا باع شجرا فيه ثمر للبائع فحدثت ثمرة أخرى أو اشترى ثمرة في شجرها فحدثت ثمرة أخرى فإن تميزتا فلكل واحد ثمرته وإن لم تتميز إحداهما من الأخرى فهما شريكان فيهما كل واحد بقدر ثمرته فإن لم يعلم قدر كل واحدة منهما اصطلحا عليها ولا يبطل العقد لأن المبيع لم يتعذر تسليمه وإنما اختلط بغيره فهو كما لو اشترى طعاما في مكان فانثال عليه طعام للبائع أو انثال هو على طعام للبائع ولم يعرف قدر كل واحد منهما ويفارق هذا ما لو اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها أو اشترى عريه فتركها حتى أتمرت فإن العقد يبطل في إحدى الروايتين لكون اختلاط المبيع بغيره حصل بارتكاب النهي وكونه يتخذ حيلة على شراء الثمرة قبل بدو صلاحها أو شراء الرطب بالتمر من غير كيل من غير حاجة إلى أكله رطبا وههنا ما ارتكب نهيا ولا يجعل هذا طريقا إلى فعل المحرم وجمع أبو الخطاب بينهما فقال في الجميع روايتان إحداهما : يبطل العقد والأخرى : لا يبطل وقال القاضي : إن كانت الثمرة للبائع فحدثت ثمرة أخرى قيل لكل واحد : اسمح بنصيبك لصاحبك فإن فعله أحدهما أقررنا العقد وأجبرنا الآخر على القبول لأنه يزول به النزاع وإن امتنعا فسخنا العقد لتعذر وصول كل واحد منهما إلى قدر حقه وإن اشترى ثمره فحدثت ثمرة أخرى لم نقل للمشتري اسمح بنصيبك لأن الثمرة كل المبيع فلا يؤمر بتخليته كله ونقول للبائع ذلك فإن سمح بنصيبه للمشتري أجبرناه على القبول وإلا فسخ البيع بينهما وهذا مذهب الشافعي قال ابن عقيل : لعل هذا قول لبعض أصحابنا فإنني لم أجده معزيا إلى أحمد والظاهر أن هذا اختيار القاضي وليس بمذهب لأحمد ولو اشترى حنطة فانثالت عليها أخرى لم ينفسخ البيع والحكم فيه كالحكم في الثمرة معها أخرى والله أعلم